{ كلاّ} .
{ كلاّ} حرف ردع وإبطال .والغالب أن يقع بعد كلام من متكلم واحد أوْ من متكلم وسامععٍ مثل قوله تعالى:{ قال أصحاب موسى إنا لمُدْرَكون قال كلا إن معي ربي سيهدين}[ الشعراء: 61 ،62] فيفيد الردع عما تضمنه الكلام المحكي قبله .ومنه قوله تعالى:{ كلا سنكتب ما يقول} في سورة مريم ( 79 ) ،ويجوز تقديمه على الكلام إذا أريد التعجيلُ بالردع والتشويقُ إلى سماع ما بعده ،وهو هنا محتمل لأن يكون إبطالاً لما قبله من قولهم: فإذا أراد الله بهذا مثلاً ،فيكون ما بينهما اعتراضاً ويكون قوله والقمرِ} ابتداء كلام فيحسن الوقف على{ كلاّ} .ويحتمل أن يكون حرف إبطال مقدماً على الكلام الذي بعده من قوله:{ إنها لإِحدى الكبر نذيراً للبشر} تقديم اهتمام لإِبطال ما يجيء بعده من مضمون قوله:{ نذيراً للبشر} ،أي من حقهم أن ينتذروا بها فلم ينتذر أكثرهم على نحو معنى قوله:{ وأنَّى له الذكرى}[ الفجر: 23] فيحسن أن توصل في القراءة بما بعدها .
الواو المفتتح بها هذه الجملة واو القسم ،وهذا القسم يجوز أن يكون تذييلاً لما قبله مؤكِّداً لما أفادته{ كَلاّ} من الإِنكار والإِبطال لمقالتهم في شأن عدة خزنة النار ،فتكون جملة{ إِنها لإِحدى الكبر} تعليلاً للإِنكار الذي أفادته{ كَلاّ} ويكون ضمير{ إنها} عائداً إلى{ سقَر}[ المدثر: 26] ،أي هي جديرة بأن يتذكر بها فلذلك كان من لم يتذكر بها حقيقاً بالإِنكار عليه وردعه .
وجملة القسم على هذا الوجه معترضة بين الجملة وتعليلها ،ويحتمل أن يكون القسم صدراً للكلام الذي بعده وجملة{ إنها لإِحدى الكبر} جواب القسم والضمير راجع إلى{ سقَر} ،أي أن سقر لأعظم الأهوال ،فلا تجزي في معاد ضمير إنها} جميع الاحتمالات التي جرت في ضمير{ وما هي إلاّ ذكرى}[ المدثر: 31] .
وهذه ثلاثة أيمان لزيادة التأكيد فإن التأكيد اللفظي إذا أكد بالتكرار يكرر ثلاث مرات غالباً ،أقسم بمخلوق عظيم ،وبحالين عظيمين من آثار قدرة الله تعالى .
ومناسبة القَسَم ب{ القمر} و{ الليل إذ أدبر} و{ الصبحُ إذا أسفر} أن هذه الثلاثة تظهر بها أنوار في خلال الظلام فناسبت حالي الهدى والضلال من قوله:{ كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء}[ المدثر: 31] ومن قوله:{ وما هي إلاّ ذكرى للبشر}[ المدثر: 31] ففي هذا القسَم تلويح إلى تمثيل حال الفريقين من الناس عند نزول القرآن بحال اختراق النور في الظلمة .