إن كانت الإِشارة على ظاهرها كان المشار إليه هو اليوم الحاضر وهو يوم الفصل فتكون الجملة من تمام ما يقال لهم في ذلك اليوم بعد قوله:{ انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون}[ المرسلات: 29] فيكون في الانتقال من خطابهم بقوله:{ انطلقوا إلى} إِجراء ضمائر الغيبة عليهم ،التفات يزيده حسناً أنهم قد استحقوا الإِعراض عنهم بعد إهانتهم بخطاب{ انطلقوا} .
وهذا الوجه أنسب بقوله تعالى بعده:{ هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين}[ المرسلات: 38] ،وموقع الجملة على هذا التأويل موقع تكرير التوبيخ الذي أفاده قوله:{ انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون وهو من جملة ما يقال لهم في ذلك اليوم ،واسم الإِشارة مستعمل في حقيقته للقريب .
وإن كانت الإِشارة إلى المذكور في اللفظ وهو يوم الفصل المتحدث عنه بأنَّ فيه الويل للمكذبين ،كان هذا الكلام موجهاً إلى الذين خوطبوا بالقرآن كلهم إنذاراً للمشركين منهم وإنعاماً على المؤمنين ،فكانت ضمائر الغيبة جارية على أصلها وكانت عائدة على المكذبين من قوله:{ ويل يومئذٍ للمكذبين}[ المرسلات: 34] وتكون الجملة معترضة بين جملة{ انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون ،وجملة هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين}[ المرسلات: 38] .واسم الإِشارة الذي هو إشارة إلى القريب مستعمل في مشار إليه بعيد باعتبار قرب الحديث عنه على ضرب من المجاز أو التسامح .
واسم الإِشارة مبتدأ{ ويومُ لا ينطقون} خبر عنه .
وجملة{ لا ينطقون} مضاف إليها{ يوم} ،أي هو يومٌ يُعرَّف بمدلول هذه الجملة ،وعدم تنوين{ يوم} لأجل إضافته إلى الجملة كما يضاف ( حين ) والأفصح في هذه الأزمان ونحوه إذا أضيف إلى جملة مفتتحة ب{ لا} النافية أن يكون معرباً ،وهو لغة مُضر العُليا ،وأما مضر السفلى فهم يبنونه على الفتح دائماً .