وعطف{ ثم أدبر يسعى} ب{ ثم} للدلالة على التراخي الرتبي كما هو شأنها في عطف الجُمل ،فأفادت{ ثم} أن مضمون الجملة المعطوفة بها أعلى رتبة في الغرض الذي تضمنته الجملة قبلها ،أي أنه ارتقى من التكذيب والعصيان إلى ما هو أشد وهو الإِدبار والسعي وادعاء الإلهية لنفسه ،أي بعد أن فكّر ملياً لم يقتنع بالتكذيب والعصيان فخشي أنه إن سكت ربما تروج دعوة موسى بين الناس فأراد الحيطة لدفعها وتحذيرَ الناس منها .
والإِدبار والسعي مستعملان في معنييهما المجازيين فإن حقيقة الإِدبار هو المشي إلى الجهة التي هي خَلْف الماشي بأن يكون متوجهاً إلى جهة ثم يتوجه إلى جهة تعاكسها .وهو هنا مستعار للإِعراض عن دعوة الداعي مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم لمسيلمة لما أبى الإِيمان: «ولئن أدبرتَ ليَعْقِرَنَّكَ اللَّه» .
وأما السعي فحقيقته: شدة المشي ،وهو هنا مستعار للحرص والاجتهاد في أمره الناسَ بعدم الإِصغاء لكلام موسى ،وجمع السحرة لمعارضة معجزته إذ حسبها سحراً كما قال تعالى:{ فتولى فرعون فجمع كيده}[ طه: 60] .