والعمل الذي يسعى إليه يبينه قوله تعالى:{ فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى} فثلاثتها مرتبة على{ يسعى} .
فجملة{ فحشر} عطف على جملة{ يسعى} لأن فرعون بذل حرصه ليقنع رعيته بأنه الربُّ الأعلى خشية شيوع دعوة موسى لعبادة الرب الحق .
ويجوز أن يكون{ أدبر} على حقيقته ،أي ترك ذلك المجمع بأن قام معرضاً إعلاناً بغضبه على موسى ويكون{ يسعى} مستعملاً في حقيقته أيضاً ،أي قام يشتدّ في مشيه وهي مشية الغاضب المعرض .
والحشر: جمع الناس ،وهذا الحشر هو المبيّن في قوله تعالى:{ قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم}[ الشعراء: 36 ،37] .
وحذف مفعول ( حشر ) لظهوره لأن الذين يحشرون هم أهل مدينته من كل صنف .
وعطف{ فنادى} بالفاء لإِفادة أنه أعلن هذا القول لهم بفور حضورهم لفرط حرصه على إبلاغ ذلك إليهم .
والنداء: حقيقته جهر الصوت بدعوة أحد ليحضر ولذلك كانت حروف النداء نائبة مناب ( أدعو ) فنصبَت الاسم الواقع بعدها .ويطلق النداء على رفع الصوت دون طلب حضور مجازاً مرسلاً بعلاقة اللزوم كقول الحريري في « المقامة الثلاثين » « فحِين جلس كأنه ابنُ ماءِ السماء ،نادَى مُنادٍ من قِبَل الأحماء » الخ .
وحذف مفعول ( نادى ) كما حذف مفعول ( حشر ) .
وإسناد الحشر والنداء إلى فرعون مجاز عقلي لأنه لا يباشر بنفسه حشر الناس ولا نداءهم ولكن يأمر أتباعه وجنده ،وإنما أسند إليه لأنه الذي أمر به كقولهم: بنَى المنصور بغداد .