وانتقل الكلام من الاستدلال بخلق السماء إلى الاستدلال بخلق الأرض لأن الأرض أقرب إلى مشاهدتهم وما يوجد على الأرض أقرب إلى علمهم بالتفصيل أو الإِجمال القريب من التفصيل .
ولأجل الاهتمام بدلالة خلق الأرض وما تحتوي عليه قُدم اسم{ الأرض} على فعله وفاعِله فانتصب على طريقة الاشتغال ،والاشتغال يتضمن تأكيداً باعتبار الفعل المقدر العامل في المشتغل عنه الدال عليه الفعلُ الظاهر المشتغل بضمير الاسم المقدم .
والدَّحْو والدَّحْيُ يقال: دحَوْت ودحيت .واقتصر الجوهري على الواوي وهو الجاري في كلام المفسرين هو: البسط والمدّ بتسوية .
والمعنى: خلقها مدحوَّة ،أي مبسوطة مسوّاة .
والإِشارة من قوله:{ بعد ذلك} إلى ما يفهم من{ بناها رفع سمكها فسواها}[ النازعات: 27 ،28] ،أي بعد خلق السماء خلق الأرض مدحوَّة .
والبعدية ظاهرها: تأخر زمان حصول الفعل ،وهذه الآية أظهر في الدلالة على أن الأرض خلقت بعد السماوات وهو قول قتادة ومقاتل والسدّي ،وهو الذي تؤيده أدلة علم الهيئة .وقد تقدم بيان ذلك عند قوله تعالى:{ هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات} في سورة البقرة ( 29 ) ،وما ورد من الآيات مما ظاهره كظاهر آية سورة البقرة تأويله واضح .
ويجوز أن تكون البعدية مجازاً في نزول رتبة ما أضيف إليه{ بعد} عن رتبة ما ذُكر قبله كقوله تعالى:{ عتل بعد ذلك زنيم}[ القلم: 13] .