وقوله:{ في أي صورة} اعلم أن أصل{ أي} أنها للاستفهام عن تمييز شيء عن مشاركيه في حاله كما تقدم في قوله تعالى:{ من أي شيء خلقه} في سورة عبس ( 18 ) وقوله تعالى:{ فبأي حديث بعده يؤمنون}[ الأعراف: 185] .
والاستفهام بها كثيراً ما يراد به الكناية عن التعجب أو التعجيب من شأن ما أضيفت إليه{ أيّ} لأن الشيء إذا بلغ من الكمال والعظمة مبلغاً قوياً يُتساءل عنه ويُستفهم عن شأنه ،ومن هنا نشأ معنى دلالة{ أيّ} على الكمال ،وإنما تحقيقه أنه معنى كنائي كثر استعماله في كلامهم ،وإنما هي الاستفهامية ،و{ أيّ} هذه تقع في المعنى وصفاً لنكرة إمّا نعتاً نحو: هو رجل أيُّ رجل ،وإما مضافة إلى نكرة كما في هذه الآية ،فيجوز أن يتعلق قوله:{ في أي صورة} بأفعال خلقَك ،فسوَّاك ،فعدَّلك » فيكون الوقف على{ في أي صورة} .
ويجوز أن يتعلق بقوله{ ركبك} فيكون الوقف على قوله{ فعدلك} ويكون قوله{ ما شاء} معترضاً بين{ في أي صورة} وبين{ ركَبَّك} .
والمعنى على الوجهين: في صورة أيّ صورة ،أي في صورة كاملة بديعة .
وجملة{ ما شاء ركبك} بيان لجملة{ عدَّلك} باعتبار كون جملة{ عدّلك} مفرعة عن جملة{ فسوَّاك} المفرغة عن جملة{ خلقك} فبيانها بيان لهما .
و{ في} للظرفية المجازية التي هي بمعنى الملابسة ،أي خلقك فسوّاك فعدلك ملابساً صورة عجيبة فمحل{ في أي صورة} محل الحال من كاف الخطاب وعامل الحال{ عدّلك} ،أو{ ركّبك} ،فجعلت الصورة العجيبة كالظرف للمصوّر بها للدلالة على تمكنها من موصوفها .
و{ ما} يجوز أن تكون موصولة مَا صدقُها تركيب ،وهي في موضع نصب على المفعولية المطلقة و{ شاء} صلة{ ما} والعائد محذوف تقديره: شاءه .والمعنى: ركّبك التركيب الذي شاءه قال تعالى:{ هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء}[ آل عمران: 6] .
وعُدل عن التصريح بمصدر{ ركّبك} إلى إبهامه ب{ ما} الموصولة للدلالة على تقحيم الموصول بما في صلته من المشيئة المسندة إلى ضمير الرب الخالق المبدع الحكيم وناهيك بها .
ويجوز أن تكون جملة{ شاء} صفة ل{ صورة} ،والرابط محذوف و{ ما} مزيدة للتأكيد ،والتقدير: في صورة عظيمة شاءها مشيئةً معينة ،أي عن تدبير وتقدير .