وجملة:{ الذي خلق فسوى} اشتملت على وصفين: وصف الخلق ووصف تسويه الخلق ،وحذف مفعول{ خلق} فيجوز أن يقدر عامّاً ،وهو ما قدره جمهور المفسرين ،وروي عن عطاء ،وهو شأن حذف المفعول إذا لم يدل عليه دليل ،أي خلق كل مخلوق فيكون كقوله تعالى حكاية عن قول موسى:{ ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى}[ طه: 50] .
ويجوز أن يقدر خاصاً ،أي خلق الإنسان كما قدره الزجاج ،أو خلق آدم كما روي عن الضحاك ،أي بقرينة قرن فعل{ خلق} بفعل « سوى » قال تعالى:{ فإذا سويته ونفخت فيه من روحي}[ الحجر: 29] الآية .
وعطف جملة:{ فسوى} بالفاء دون الواو للإِشارة إلى أن مضمونها هو المقصود من الصلة وأن ما قبله توطئة له كما في قول ابن زيابة:
يا لهفَ زيَابةً للحارث الصّ *** ابحِ فالغَانِم فالآيب
لأن التلهف يحق إذا صبحهم فغنم أموالَهم وآب بها ولم يستطيعوا دفاعه ولا استرجاعه .
فالفاء من قوله:{ فسوى} للتفريع في الذكر باعتبار أن الخلق مقدم في اعتبار المعتبر على التسويه ،وإن كان حصول التسويه مقارناً لحصول الخلق .
والتسويه: تسويةُ ما خلقَه فإن حمل على العموم فالتسوية أنْ جعل كل جنس ونوع من الموجودات معادِلاً ،أي مناسباً للأعمال التي في جبلته فاعوجاج زُبَانَى العقرببِ من تسويه خلقها لتدفع عن نفسها بها بسهولة .
ولكونه مقارناً للخلقة عطف على فعل{ خلق} بالفاء المفيدة للتسبب ،أي ترتَّبَ على الخَلق تسويتُه .
والتقديرُ: وضْعُ المقدارِ وإيجادُه في الأشياء في ذواتها وقواها ،يقال: قَدَّر بالتضعيف وقدَر بالتخفيف بمعنىً .
وقرأ الجمهور بالتشديد وقرأها الكسائي وحده بالتخفيف .
والمقدار: أصله كمية الشيء التي تُضبط بالذرع أو الكيل أو الوزن أو العَدّ ،وأطلق هنا على تكوين المخلوقات على كيفيات منظّمة مطردة من تركيب الأجزاء الجسدية الظاهرة مثل اليدين ،والباطنة مثل القلب ،ومن إيداع القُوى العقلية كالحس والاستطاعة وحِيلَ الصناعة .