وإعادة اسم الموصول في قوله:{ والذي قدر} وقوله:{ والذي أخرج المرعى} مع إغناء حرف العطف عن تكريره ،للاهتمام بكل صلة من هذه الصلات وإثباتها لمدلول الموصول وهذا من مقتضيات الإطناب .
وعطْفُ قوله:{ فهدى} بالفاء مثل عطف{ فسوى} ،فإن حمل{ خلق} و{ قدّر} على عموم المفعول كانت الهداية عامة .والقول في وجه عطف{ فهدى} بالفاء مثل القول في عطف{ فسوى} .
وعطف{ فهدى} على{ قدر} عطفُ المسبَّب على السبب أي فهدى كلَّ مقدر إلى ما قدر له فهداية الإنسان وأنواع جنسه من الحيوان الذي له الإِدراك والإِرادة هي هداية الإِلهام إلى كيفية استعمال ما قدَّر فيه من المقادير والقوى فيما يناسب استعماله فيه فكلما حصل شيء من آثار ذلك التقدير حصل بأثره الاهتداء إلى تنفيذه .
والمعنى: قَدّر الأشياءَ كلها فهداها إلى أداء وظائفها كما قدّرها لها ،فالله لما قدّر للإِنسان أن يكون قابلاً للنطق والعِلم والصناعة بما وَهَبَه من العقل وآلات الجسد هداهُ لاستعمال فكره لما يُحصِّل له ما خُلق له ،ولمَّا قَدر البقرةَ للدَّر ألهمها الرَعْي ورِثْمَانَ ولدها لِتَدرَّ بذلك للحالب ،ولمّا قدر النحل لإنتاج العسَل ألهمها أن ترعى النَّور والثمار وألهمها بناء الجِبْح وخلاياه المسدسة التي تضع فيها العسل .
ومن أجلِّ مظاهر التقدير والهداية تقدير قوى التناسل للحيوان لبقاء النوع .فمفعول « هدى » محذوف لإفادة العموم وهو عام مخصوص بما فيه قابلية الهَدْي فهو مخصوص بذوات الإِدراك والإِرادة وهي أنواع الحيوان فإن الأنواع التي خلقها الله وقدَّر نظامها ولم يقدِّر لها الإِدراك مثل تقدير الإِثمار للشجر ،وإنتاج الزريعة لتجدد الإِنبات ،فذلك غير مراد من قوله:{ فهدى} لأنها مخلوقة ومقدّرة ولكنها غير مهدية لعدم صلاحها للاهتداء ،وإن جعل مفعول{ خلق} خاصاً ،وهو الإنسان كان مفعول{ قدر} على وزانه ،أي تقدير كمال قوى الإِنسان ،وكانت الهداية هداية خاصة وهي دلالة الإِدراك والعقل .
وأوثر وصفا التسوية والهداية من بين صفات الأفعال التي هي نِعم على الناس ودالة على استحقاق الله تعالى للتنزيه لأن هذين الوصفين مناسبة بما اشتملت عليه من السورة فإن الذي يسوي خَلق النبي صلى الله عليه وسلم تسوية تلائم ما خلَقه لأجله من تحمل أعباء الرسالة لا يفوته أن يهيئه لحفظ ما يوحيه إليه وتيسيره عليه وإعطائه شريعة مناسبة لذلك التيسير قال تعالى:{ سنقرئك فلا تنسى}[ الأعلى: 6] وقال:{ ونيسرك لليسرى}[ الأعلى: 8] .