أودع الله قلوب أتباع رسله سرا من أسرار معرفته ومحبته ، والإيمان به خفي على أعداء الرسل ، فنظروا إلى ظواهرهم ، وعموا عن بواطنهم ، فازدروهم واحتقروهم وقالوا للرسول:أبعد هؤلاء عنك حتى نأتيك ونسمع منك ، وقالوا:{ أهؤلاء من الله عليهم من بيننا} [ الأنعام:53] فقال نوح عليه السلام لقومه:{ ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم} [ هود:31] .
قال الزجاج:المعنى:إن كنتم تزعمون أنهم إنما اتبعوني في بادئ الرأي وظاهره فليس على أن أطلع على ما في أنفسهم ، فإذا رأيت من يوحد الله عملت على ظاهره ورددت علم ما في نفوسهم إلى الله ، وهذا معنى حسن .
والذي يظهر من الآية:أن الله يعلم ما في أنفسهم إذ أهلهم لقبول دينه وتوحيده ، وتصديق رسله ، والله سبحانه وتعالى عليم حكيم ، يضع العطاء في مواضعه وتكون هذه الآية مثل قوله تعالى:{ وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين} [ الأنعام:53] .
فإنهم أنكروا أن يكون الله سبحانه أهلهم للهدى ، والحق ، وحرمه رؤساء الكفار وأهل العزة منهم والثروة ، كأنهم استدلوا بعطاء الدنيا على عطاء الآخرة ، فأخبر الله سبحانه أنه أعلم بمن يؤهله لذلك ، لسر عنده من معرفة قدر النعمة ورؤيتها من مجرد فضل المنعم ومحبته وشكره عليها ، وليس كل أحد عنده هذا السر ، فلا يؤهل كل أحد لهذا العطاء .