/م29
وآخر ما يجيب به نوح قومه ويرِدّ على إِشكالاتهم الواهية ..إِنّكم إذا كنتم تتصورون أن لي امتيازاً آخر غير الإِعجاز الذي لديّ عن طريق الوحي فذلك خطأ ،وأقول لكم بصراحة: ( لا أقول لكم عندي خزائن الله ) ولا أستطيع أن أحقق كل شيء أريده وكل عمل أطلبه ،حيث تحكي الآية عن لسانه ( ولا أقول لكم عندي خزائن الله ) ولا أقول لكم إِنّني مطلع على الغيب ( ولا أعلم الغيب ) ولا أدعي أنّني غيركم كأنْ أكون من الملائكة مثلا ( ولا أقول إِنّي ملك ) فهذه الإِدّعاءات الفارغة والكاذبة يتذرع بها المدّعون الكذَبَة ،وهيهات أن يتذرع بها الأنبياء الصادقون ،لأنّ خزائن الله وعلم الغيب من خصوصيات ذات الله القُدسيّة وحدها ،ولا ينسجم المَلَك مع هذه الأحاسيس البشرية أيضاً ..
فكل من يدعي واحداً من هذه الأُمور الثلاثة المتقدمةأو جميعهافهو كاذب .
ومثل هذا التعبير ورد في نبي الإِسلام( صلى الله عليه وآله وسلم ) أيضاً كما نلاحظ ذلك في الآية ( 50 ) من سورة الأنعام حيث تقول الآية مخاطبة النّبي أن يبلغ قومه بذلك ( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إنّي مَلَك إن اتّبع إلاّ ما يوحى إلى ) فانحصَار امتياز نبي الإِسلام في مسألة «الوحي » ونفي الأُمور الثلاثة الأُخرى يدل على أنّ الآيات التي تحدثت عن نوح كانت تستبطن هذا المعنى أيضاً وإِن لم تصرّح بذلك بمثل هذا التصريح !.
وفي ذيل الآية يكرر التأكيد على المؤمنين المستضعفين بالقول: ( ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيراً ..) بل على العكس تماماً ،فخير هذه الدنيا وخير الآخرة لهم وإِن كانوا عُفاة لخلّو أيديهم من المال والثروة ..فأنتم الذين تحسبون الخير منحصراً في المال والمقام والسن وتجهلون الحقيقة ومعناها تماماً .
وعلى فرض صحة مُدّعاكم أراذل و«أوباش » ف ( الله أعلم بما في أنفسهم ) .
أنا الذي لا أرى منهم شيئاً سوى الصدق والإِيمان يجب علىَّ قبولهم ،لأنّي مأمور بالظاهر ،والعارف باسرار العباد هو الله سبحانه ،فإِن عملت غير عملي هذا كنت آثماً ( إِنّي إذا لمن الظالمين ) .
ويرد هذا الاحتمال أيضاً في تفسير الجملة الأخيرة لأنّها مرتبطة بجميع محتوى الآية ،أي إذا كنت أدعي علم الغيب أو أنّي ملك أو أن عندي خزائن الله أو أن اطرد المؤمنين ،فسأكون عند الله وعند الوجدان في صفوف الظالمين .
/خ31