قد مدح الله سبحانه وتعالى الفراسة وأهلها في مواضع من كتابه ، هذا منها .
والمتوسمون:هم المتفرسون الذين يأخذون بالسيماء ، وهي العلامة ، ويقال:توسمت فيك كذا ، أي تفرسته ، كأنك أخذت من السيماء ، وهي فعلاء من السمة ، وهي العلامة وقال تعالى:{ ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم} [ محمد:30] وقال تعالى:{ يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم} [ البقرة:273] .
وفي الترمذي مرفوعا:«اتقوا فراسة المؤمن ، فإنه ينظر بنور الله » ثم قرأ:{ إن في ذلك لآيات للمتوسمين} .
وقال في «مدارج السالكين »:
قال مجاهد رحمه الله:المتوسمين المتفرسين . وقال ابن عباس رضي الله عنهما:للناظرين ، وقال قتادة:للمقرين ، وقال مقاتل:للمتفكرين .
ولا تنافي بين هذه الأقوال . فإن الناظر متى نظر في آثار ديار المكذبين ومنازلهم ، وما آل إليه أمرهم ، أورثه فراسة وعبرة وفكرة .
وقال تعالى في حق المنافقين:{ ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول} [ محمد:30] . فالأول:فراسة النظر والعين ، والثاني:فراسة الأذن والسمع .
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول:علق معرفته إياهم بالنظر على المشيئة ولم يعلق تعريفهم بلحن خطابهم على شرط ، بل أخبر به خبرا مؤكدا بالقسم فقال:{ ولتعرفنهم في لحن القول} وهو تعريض الخطاب ، وفحوى الكلام ومغزاه واللحن ضربان:( صواب ، وخطأ ) .
فلحن الصواب نوعان . أحدهما:الفطنة ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم للمتخاصمين:«ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض » .
والثاني:التعريض والإشارة . وهو قريب من الكتابة ، ومنه قول الشاعر:
وحديث ألذه ، وهو مما *** يشتهي السامعون يوزن وزنا
منطق صائب ، وتلحن أحيا *** نا ، وخير الحديث ما كان لحنا .
والثالث:فساد المنطق في الإعراب ، وحقيقته:تغيير الكلام عن وجهه ، إما إلى خطإ ، وإما إلى معنى خفي ، لم يوضع له اللفظ .
والمقصود:أنه سبحانه أقسم على معرفته المنافقين من لحن خطابهم . فإن معرفة المتكلم وما في ضميره من كلامه أقرب من معرفته بسيماه وما في وجهه . فإن دلالة الكلام على قصد قائله وضميره أظهر من السيماء المرئية ، والفراسة تتعلق بالنوعين:بالنظر ، والسماع .
وفي الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«اتقوا فراسة المؤمن ، فإنه ينظر بنور الله » ثم تلا قوله تعالى:{ إن في ذلك لآيات للمتوسمين} [ الحجر:75] .