وصفهن سبحانه بقصر الطرف في ثلاثة مواضع . أحدها:هذا .
والثاني:قوله تعالى في الصافات:{ وعندهم قاصرات الطرف عين} [ الصافات:48] .
والثالث:قوله تعالى في ص:{ وعندهم قاصرات الطرف أتراب} [ ص:52] .
وأجمع المفسرون كلهم على أن المعنى:أنهن قصرن طرفهن على أزواجهن ، فلا يطمحن إلى غيرهم .
وقيل:قصرن طرف أزواجهن عليهن . فلا يدعهم حسنهن وجمالهن أن ينظروا إلى غيرهن .
وهذا صحيح من جهة المعنى . وأما من جهة اللفظ:فقاصرات صفة مضافة إلى الفاعل لحسان الوجوه . واصله:«قاصر طرفهن » ، أي:ليس بطامح متعد .
قال آدم:حدثنا ورقاء عن أبن نجيح عن مجاهد في قوله:{ قاصرات الطرف} قال:يقول قاصرات الطرف على أزواجهن ، فلا يبغين غير أزواجهن .
وقال آدم:حدثنا المبارك بن فضالة عن الحسن قال:«قصرن طرفهن على أزواجهن ، فلا يردن غيرهم . والله ما هن متبرجات ، ولا متطلعات » .
وقال منصور عن مجاهد:«قصرن أبصارهن وقلوبهن وأنفسهن على أزواجهن فلا يردن غيرهم » .
وفي تفسير سعيد ، عن قتادة ، قال:قصرن أطرافهن على أزواجهن فلا يردن غيرهم .
و أما «الأتراب » ، فجمع «تِرْب » ، وهو لذة الإنسان .
قال أبو عبيدة ، وأبو إسحاق:أقران ، أسنانهن واحدة ، قال ابن عباس رضي الله عنه وسائر المفسرين:مستويات على سن واحد ، وميلاد واحد ، وبنات ثلاث وثلاثين سنة .
وقال مجاهد:{ أتراب} أمثال . وقال أبو إسحاق:هن في غاية الشباب والحسن ، وسمي ندّ الإنسان وقرنه:«تِرْبَه » . لأنه مس تراب الأرض معه في وقت واحد .
المعنى من الأخبار باستواء أسنانهن:أنهن ليس فيهن عجائز . قد فات حسنهن ، ولا ولائد لا يقطن الوطء ، بخلاف الذكور ، فان فيهم الولدان ، وهم الخدم .
وقد اختلف في مفسر الضمير في قوله:{ فيهن} .
فقالت طائفة:مفسره الجنتان ، وما حوتاه من القصور والغرف والخيام .
وقالت طائفة:مفسره الفرش المذكورة في قوله:{ متكئين على فرش بطائنها من إستبرق} و«في » هنا بمعنى «على » .
وقوله تعالى:{ لم يطمثهن إنس قبلهن ولا جان} .
قال أبو عبيدة:لم يمسهن ، يقال:«ما طمث هذا البعير حبل قط » ، أي:ما مسّه .
وقال يونس:تقول العرب:«هذا جمل ما طمثه حبل قط » ، أي:ما مسه .
وقال الفراء:الطمث:الافتضاض ، وهو النكاح بالتدمية . والطمث هو الدم . وفيه لغات . طمث:يطمث ، ويطمث .
قال الليث:طمث الجارية ، إذا افترعتها ، والطامث في لغتهم هي الحائض .
قال أبو الهيثم:يقال للمرأة طمثت تطمث ، إذا أدميت بالافتضاض . وطمثت عليَّ فعلت – تطمث ، إذا حاضت أول ما تحيض ، فهي طامث . وقال في قول الفرزدق .
خرجن إليَّ لم يطمثن قبلي *** وهن أصح من بيض النعام
أي لم يمسسن . قال المفسرون:لم يطأهن ولم يغشهن يجامعهن . هذه ألفاظهم .
وهم مختلفون في هؤلاء . فبعضهم يقول:هن اللواتي أنشئن في الجنة من حورها .
وبعضهم يقول:يعني نساء الدنيا أنشئن خلقا آخر أبكارا . كما وصفن .
قال الشعبي:نساء من نساء الدنيا ، لم يمسسن منذ أنشئن خلقا .
وقال مقاتل:لأنهن خلقن في الجنة . وقال عطاء ، عن ابن عباس رضي الله عنه:هن الآدميات اللاتي متن أبكارا ، وقال الكلبي:لم يجامعهن في هذا الخلق الذي أنشئن فيه إنس ولا جان .
قلت:ظاهر القرآن . أن هؤلاء النسوة لسن من نساء الدنيا ، وإنما هن من الحور العين . وأما نساء الدنيا فنساء الإنس قد طمثهن الإنس ، ونساء الجن قد طمثهن الجن . والآية تدل على ذلك .
قال أبو إسحاق:وفي هذه الآية دليل على أن الجني يغشي كما أن الإنسي يغشى .
ويدل على أنهن الحور اللاتي خلقن في الجنة:أنه سبحانه جعلهن مما أعده الله في الجنة لأهلها ، من الفاكهة والثمار والأنهار والملابس وغيرها .
ويدل عليه أيضا الآية التي بعدها ، وهي قوله تعالى:{ حور مقصورات في الخيام} ثم قال:{ لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان} قال الإمام أحمد:والحور العين لا يمتن عند النفخ في الصور ، لأنهن خلقن للبقاء .
وفي الآية دليل لما ذهب إليه الجمهور:أن مؤمني الجن في الجنة ، كما أن كافرهم في النار . وبوب عليه البخاري في «صحيحه » فقال:«باب ثواب الجن وعقابهم » ونص عليه غير واحد من السلف . قال ضمرة بن حبيب - وقد سئل:هل للجن ثواب ؟ فقال:نعم . وقرأ هذه الآية . ثم قال:الإنسيات للإنس ، والجنيات للجن . وقال مجاهد في هذه الآية:إذا جامع الرجل ولم يسم انطوى الجان على إحليله فجامع معه .
والضمير في قوله{ قبلهم} للمعنيين بقوله{ متكئين} وهم أزواج هؤلاء النسوة .
وقوله{ كأنهم الياقوت والمرجان} .
قال الحسن وعامة المفسرين:أراد صفاء الياقوت في بياض المرجان ، شبههن في صفاء اللون وبياضه وبالياقوت والمرجان ، ويدل عليه ما قاله عبد الله ( إن المرأة من نساء أهل الجنة لتلبس عليها سبعين حلة من حرير ، فيرى بياض ساقيها من ورائهن ،
ذلك بأن الله يقول{ كأنهن الياقوت والمرجان} ألا وإن الياقوت حجر ، لو جعلت فيه سلكا ثم استصفيته لنظرت إلى السلك من وراء الحجر ) .