ضمير{ فيهن} عائد إلى فرش وهو سبب تأخير نعم أهل الجنة بلذة التأنّس بالنساء عن ما في الجنات من الأفنان والعيون والفواكه والفرش ،ليكون ذكر الفرش مناسباً للانتقال إلى الأوانس في تلك الفرش وليجيء هذا الضمير مفيداً معنى كثيراً من لفظ قليل ،وذلك من خصائص الترتيب في هذا التركيب .
ف{ قاصرات الطرف} كائنة في الجنة وكائنة على الفُرش مع أزواجهن قال تعالى:{ وفرش مرفوعة إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكاراً}[ الواقعة: 34 36] الآية .
و{ قاصرات الطرف}: صفة لموصوف محذوف تقديره نساء ،وشاع المدح بهذا الوصف في الكلام حتى نُزّل منزلة الاسم ف{ قاصرات الطرف} نساء في نظرهن مثل القصور والغضِّ خِلقة فيهن ،وهذا نظير ما يقول الشعراء من المولّدين مراض العيون ،أي: مثل المراض خِلقة .والقصور: مثل الغضِّ من صفات عيون المها والظباء ،قال كعب بن زهير:
وما سعاد غداةَ البين إذْ رحلُوا *** إلاّ أَغَنُّ غَضِيضُ الطرف مكحول
أي: كغضيض الطرف وهو الظبي .
والطمْث بفتح الطاء وسكون الميم مسيس الأنثى البِكر ،أي من أبكار .وعُبِّر عن البكارة ب{ لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان} إطناباً في التحسين ،وقد جاء في الآية الأخرى{ فجعلناهن أبكاراً}[ الواقعة: 36] .وهؤلاء هن نساء الجنة لا أزواج المؤمنين اللآئي كُنَّ لهم في الدنيا لأنهن قد يكنّ طمثهم أزواج فإن الزوجة في الجنة تكون لآخر من تزوجها في الدنيا .
وقرأ الجمهور{ يطمثهن} هنا ،وفي نظيره الآتي بكسر الميم .وقرأه الدُوري عن الكسائي بضم الميم وهما لغتان في مضارع طمث .ونقل عن الكسائي: التخييرُ بين الضم والكسر .
وقوله:{ إنس قبلهم} أي لم يطمثهن أحد قبل ،وقوله:{ ولا جان} تتميم واحتراس وهو إطناب دعا إليه أن الجنة دار ثواب لصالحي الإِنس والجن فلما ذكر{ إنس} نشأ توهم أن يمَسهن جن فدفع ذلك التوهم بهذا الاحتراس .