المثل الثاني للمؤمنين:مريم عليها السلام التي لا زوج لها ، لا مؤمن ولا كافر .
فذكر ثلاثة أصناف من النساء:المرأة الكافرة التي لها وصلة بالرجل الصالح . والمرأة الصالحة التي لها وصلة بالرجل الكافر . والمرأة العزب التي لا وصلة بينها وبين أحد .
فالأولى:لا تنفعها وصلتها وسببها .
والثانية:لا تضرها وصلتها وسببها .
والثالثة:لا يضرها عدم الوصلة شيئا .
ثم في هذه الأمثال من الأسرار البديعة ما يناسب سياق السورة . فإنها سيقت في ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتحذيرهن من التظاهر عليه ، وأنهن إن لم يطعن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ويردن الدار الآخرة ، لم ينفعهن اتصالهن برسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما لم ينفع امرأة نوح ولوط اتصالهما بهما .
ولهذا ضرب في هذه السورة مثل اتصال النكاح دون القرابة .
قال يحيى بن سلام:ضرب الله المثل الأول يحذر عائشة وحفصة رضي الله عنهن ، ثم ضرب لهما المثل الثاني يحرضهما على التمسك بالطاعة .
وفي ضرب المثل للمؤمنين بمريم عليها السلام أيضا:اعتبار آخر ، وهو أنها لم يضرها عند الله شيئا قذف أعداء الله اليهود لها ، ونسبتهم إياها وابنها إلى ما برأهما الله عنه ، مع كونها الصديقة الكبرى المصطفاة على نساء العالمين .
فلا يضر الرجل الصالح قدح الفجار والفساق فيه .
وفي هذا أيضا تسلية لعائشة أم المؤمنين رضي الله عنه ، إن كانت السورة نزلت بعد قصة الإفك . وتوطين نفسها على ما قال فيها الكاذبون ، إن كانت قبلها .
كما في ذكر التمثيل بامرأة نوح ولوط تحذير لها ولحفصة مما اعتمدتاه في حق النبي صلى الله عليه وسلم .
فتضمنت هذه الأمثال التحذير لهن والتخويف ، والتحريض لهن على الطاعة والتوحيد ، والتسلية وتوطيد النفس لمن أوذي منهن ، وكذب عليهم .
وأسرار التنزيل فوق هذا وأجل منه ، ولاسيما أسرار الأمثال التي لا يعقلها إلا العالمون .