تفسير قول الله تعالى ذكره:{ كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} [ المطففين:14] .
قال:هو الذنب بعد الذنب ، وقال الحسن:هو الذنب على الذنب ، حتى يعمى القلب .
وقال غيره:لما كثرت ذنوبهم ومعاصيهم أحاطت بقلوبهم .
وأصل هذا:أن القلب يصدأ عن المعصية ، فإذا زادت غلب الصدأ .
حتى يصير رانا ، ثم يغلب حتى يصير طبقا وقفلا وختما . فيصير القلب في غشاوة وغلاف ، فإذا حصل له ذلك بعد الهدى والبصيرة انتكس ، فصار أعلاه أسفله ، فحينئذ يتولاه عدوه ، ويسوقه حيث أراد ، والمعافى من عافاه الله .
وقال في:«شفاء العليل » .
وأما الران:فقد قال تعالى:{ كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} .
قال أبو عبيدة:غلب عليها . والخمر ترين على عقل السكران ، والموت يرين على الميت ، فيذهب به ، ومن هذا حديث أسيفع جهينة وقول عمر رضي الله عنه:( فأصبح قد رين به ) أي غلب عليه ، وأحاط به الرين .
وقال أبو معاذ النحوي:«الرين » أن يسود القلب من الذنوب ، و«الطبع »:أن يطبع على القلب . وهو أشد من الرين . و«الأقفال » أشد من الطبع . وهو أن يقفل على القلب .
وقال الفراء:كثرت الذنوب والمعاصي منهم ، فأحاطت بقلوبهم ، فذلك الرين عليها .
وقال أبو إسحاق:ران:غطى ، يقال:ران على قلبه الذنب يرين رينا .
أي غشيه . قال:والرين كالغشاء يغشى القلب . ومثله الغين .
قلت:أخطأ أبو إسحاق . فالغين ألطف شيء وأرقه . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنه ليغان على قلبي ، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة » .
وأما الرين والران:فهو من أغلظ الحجب على القلب وأكثفها .
وقال مجاهد:هو الذنب على الذنب ، حتى تحيط الذنوب بالقلب وتغشاه ، فيموت القلب .
وقال مقاتل:غمرت القلوب أعمالهم الخبيثة ، وفي سنن النسائي والترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء ، فإن هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه . وإن زاد زيد فيها حتى تعلو قلبه . وهو الران الذي ذكر الله{ كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون} » قال الترمذي:هذا حديث صحيح .
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:«كلما أذنب نكت في قلبه نكتة سوداء ، حتى يسود القلب كله » ، فأخبر سبحانه أن ذنوبهم التي اكتسبوها أوجبت لهم رينا على قلوبهم ، فكان سبب الران منهم . وهو خلق الله فيهم ، فهو خالق السبب ومسببه ، لكن السبب باختيار العبد ، والمسبب خارج عن قدرته واختياره .