قوله تعالى:{كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} .
ران: بمعنى غطى كما في الحديث"إذا أذنب العبد نكت في قلبه نكتة سوداء ،وما يزال كذلك حتى يغطيه "الحديث .
وقال الشاعر:
وكم ران من ذنب عَلى قلب فاجر *** فتاب من الذنب الَّذي ران فانجلى
وقال أبو حيان: وأصل الرين: الغلبة: يقال: رانت الخمر على عقل شاربها واشتدت:
ثم لما رآه رانت بِه الخ *** مر وألا يريه بانْتفاء
بيان القراءات في هذه الآية:
قال أبو حيان: قرئ بل ران بإدغام اللام في الراء وبالإظهار وقف حفص على بل وقفاً خفيفاً يسيراً ليتبين الإظهار .
وقال أبو جعفر بن الباذش: وأجمعوا ،يعني القراء ،على إدغام اللام في الراء ،إلاَّ ما كان من سكت حفص على بل ،ثم يقول: ران .
وهذا الذي ذكره كما ذكر من الإجماع .
ففي كتاب اللوامع عن قالون من جميع طرقه: إظهار اللام عند الراء نحو قوله: بل رفعه الله إليه ،بل ربكم .
وفي كتاب ابن عطية .وقرأ نافع: بل ران من غير مدغم .
وفيه أيضاً: وقرأ نافع أيضاً: بالإدغام والإمالة .
وقال سيبويه: البيان والإدغام حسنان .
وقال الزمخشري: وقرئ بإدغام اللام في الراء ،وبالإظهار والإدغام أجود ،وأميلت الألف وفخمت .ا ه .
أما المعنى فقد تقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه ،بيان ذلك وافياً في سورة الكهف عند الكلام على قوله تعالى:{إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ} الآية .
قوله تعالى:{خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} .
توجيه إلى ما ينبغي أن تكون فيه المنافسة ،وهي بمعنى الرغبة في الشيء .
قال أبو حيان: نافس في الشيء رغب فيه ،ونفست عليه بالشيء أنفس نفاسة ،إذا بخلت به عليه ولم تحب أن يصير إليه .
والذي يظهر لي والله تعالى أعلم: أن ذلك من المطالبة والمكاثرة بالشيء النفيس ،فكل يسابق إليه ليحوزه لنفسه .
وفي هذه الآية الكريمة لفت لأول السورة ،إذا كان أولئك يسعون لجمع المال بالتطفيف ،فلهم الويل يوم القيامة .
وإذا كان الأبرار لفي نعيم يوم القيامة ،وهذا شرابهم ،فهذا هو محل المنافسة ،لا في التطفيف من الحب أو أي مكيل أو موزون .