{كَلاَّ} فليست القضية هي ما يثيرونه من كلمات في ما توحيه هذه اللفظة من المعاني الرافضة للإيمان ،باعتبار أنها تمثل خط الصواب{بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} فإن العمل السيىء الذي يكسبه الإنسان بسوء اختياره ،قد يترك تأثيراً سلبياً على قلبه وعقله ،فيمنعه من وضوح الرؤية ،كما هو الغشاء الذي يحدث للعين فيمنعها من الإبصار .وهذا ما توحيه كلمة الرَّينْ ،وهو عبارة عن الصدأ الذي يعلو الشيء ،فكأن المعصية تتحول إلى صدأ يطفو على القلب ،فلا يستطيع معرفة الخير والشر ،في ما تثيره من مفاهيم ضبابية تمنع العقل من الانفتاح على حقيقة الأمور ،وقد ورد في أصول الكافي ،قال: «قال رسول الله( ص ) تذاكروا وتلاقوا وتحدّثوا ،فإن الحديث جلاء للقلوب ،إن القلوب لترين كما يرين السيف وجلاؤها الحديث »[ 5] .
وقد جاء في الحديث المعروف عنه ،«أن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد ،قيل: يا رسول الله وما جلاؤها ؟قال: قراءة القرآن وذكر الموت »[ 6] .
وقد جاء في أصول الكافي بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر 5 قال: «ما من عبدٍ إلاَّ وفي قلبه نكتةٌ بيضاء ،فإذا أذنب ذنباً ،خرج في النكتة نكتة سوداء ،فإن تاب ذهب ذلك السواد ،وإن تمادى في الذنوب ،زاد ذلك السواد حتى يغطّي البياض ،فإذا تغطّى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبداً ،وهو قول الله عز وجل:{كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} »[ 7] .
وروى في الدر المنثور هذا المعنى عن عدةٍ من أصحاب الجوامع عن أبي هريرة عن النبي( ص )[ 8] .
وقد جاء عن أبي عبدالله( ع ) قال كان أبي( ع ) يقول: ما شيء أفسد للقلب من الخطيئة ،إن القلب ليواقع الخطيئة ،فما تزال به حتى تغلب عليه ،فيصير أسفله أعلاه وأعلاه أسفله[ 9] .وكما قال رسول الله( ص ): إن العبد كلما أذنب حصل في قلبه نكتة سوداء ،حتّى يسودّ قلبه ،والرّين: الصّدأ »[ 10] .
وفي ضوء ذلك ،نفهم أن السلوك العملي السلبي يترك تأثيراته السلبية على منطقة الوعي الفكريّ والروحيّ ،من خلال الضغط الشعوري الخفي الذي تثيره الخطايا ،في خصائصها الخبيثة ،في روح الإنسان ،بحيث يتجه ،في منطلقاته ،إلى أفكارٍ ومشاعر تتناسب مع طبيعتها ،بينما نجد السلوك العملي الإيجابيّ ،يترك تأثيراته الإيجابية بالمستوى نفسه ،ولكن في الاتجاه الآخر .ولعل هذا ما جعل التأكيد القرآنيّ على تلازم الإيمان والعمل الصالح كقاعدةٍ للفلاح ،كما جعل العمل السيىء ملازماً للكفر والضلال .
العمل الطيب يقود الى الفكر الطيب
وربما كان في ذلك بعض الإيحاء بضرورة اعتبار التربية العملية في أجواء الأفعال الطيبة وسيلةً من وسائل الوصول إلى إيمان الشخص ،باعتبار أنّ العمل الطيب يقود إلى الفكر الطيب الذي يلتقي بالإيمان ،كما أنّ العمل الخبيث يقود إلى الفكر الخبيث الذي يلتقي بالكفر والضلال .
ولعلّ هذا هو السبب في أنَّ أجهزة الكفر والاستكبار تعمل على إفساد الأخلاق العامة للناس في مواقع المستضعفين والمسلمين ،لتبعدهم بذلك عن الالتزام الفكريّ أو الروحيّ بالخط الإيمانيّ ،ما يؤدي إلى الخلل الكبير في الشخصية ،والانحلال العميق في عناصر التوازن فيها ،مما تكون النتيجة فيه وصول مسألة الإيمان في داخلها إلى شيءٍ يوحي باللامبالاة وبالّلامعنى ،ليذوب نهائياً ،بفعل المؤثرات الشعورية المضادّة في أكثر من صعيد .
الذنوب تبعد الإنسان عن رحمة الله
{بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} وهذا رفض للواقع الفكري والروحي الذي يسيطر على عقولهم بما يشبه الحاجز عن الإيمان