هذا ثناء من الله تعالى على إسماعيل بن إبراهيم الخليل ، عليهما السلام ، وهو والد عرب الحجاز كلهم بأنه ) كان صادق الوعد )
قال ابن جريج:لم يعد ربه عدة إلا أنجزها ، يعني:ما التزم قط عبادة بنذر إلا قام بها ، ووفاها حقها .
وقال ابن جرير:حدثني يونس ، أنبأنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، أن سهل بن عقيل حدثه ، أن إسماعيل النبي ، عليه السلام ، وعد رجلا مكانا أن يأتيه ، فجاء ونسي الرجل ، فظل به إسماعيل وبات حتى جاء الرجل من الغد ، فقال:ما برحت من هاهنا ؟ قال:لا . قال:إني نسيت . قال:لم أكن لأبرح حتى تأتيني . فلذلك ( كان صادق الوعد ) .
وقال سفيان الثوري:بلغني أنه أقام في ذلك المكان ينتظره حولا حتى جاءه .
وقال ابن شوذب:بلغني أنه اتخذ ذلك الموضع سكنا .
وقد روى أبو داود في سننه ، وأبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي في كتابه "مكارم الأخلاق "من طريق إبراهيم بن طهمان ، عن عبد الله بن ميسرة ، عن عبد الكريم - يعني:ابن عبد الله بن شقيق - عن أبيه ، عن عبد الله بن أبي الحمساء قال:بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث فبقيت له علي بقية ، فوعدته أن آتيه بها في مكانه ذلك ، قال:فنسيت يومي والغد ، فأتيته في اليوم الثالث وهو في مكانه ذلك ، فقال لي:"يا فتى ، لقد شققت علي ، أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك "لفظ الخرائطي ، وساق آثارا حسنة في ذلك .
ورواه ابن منده أبو عبد الله في كتاب "معرفة الصحابة "، بإسناده عن إبراهيم بن طهمان ، عن بديل بن ميسرة ، عن عبد الكريم ، به .
وقال بعضهم:إنما قيل له:( صادق الوعد ) ; لأنه قال لأبيه:( ستجدني إن شاء الله من الصابرين ) [ الصافات:102] ، فصدق في ذلك .
فصدق الوعد من الصفات الحميدة ، كما أن خلفه من الصفات الذميمة ، قال الله تعالى:( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) الصف:2 ، 3 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"آية المنافق ثلاث:إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان "
ولما كانت هذه صفات المنافقين ، كان التلبس بضدها من صفات المؤمنين ، ولهذا أثنى الله على عبده ورسوله إسماعيل بصدق الوعد ، وكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صادق الوعد أيضا ، لا يعد أحدا شيئا إلا وفى له به ، وقد أثنى على أبي العاص بن الربيع زوج ابنته زينب ، فقال:"حدثني فصدقني ، ووعدني فوفى لي ". ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم قال الخليفة أبو بكر الصديق:من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة أو دين فليأتني أنجز له ، فجاءه جابر بن عبد الله ، فقال:إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قال:"لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا "، يعني:ملء كفيه ، فلما جاء مال البحرين أمر الصديق جابرا ، فغرف بيديه من المال ، ثم أمره بعده ، فإذا هو خمسمائة درهم ، فأعطاه مثليها معها
وقوله:( وكان رسولا نبيا ) في هذا دلالة على شرف إسماعيل على أخيه إسحاق ; لأنه إنما وصف بالنبوة فقط ، وإسماعيل وصف بالنبوة والرسالة . وقد ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل . . . "وذكر تمام الحديث ، فدل على صحة ما قلناه .