وقوله:( أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ) أي:يوم القيامة ( لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون ) [ الحشر:20] ; وذلك لأن أهل الجنة يصيرون إلى الدرجات العاليات ، والغرفات الآمنات ، فهم في مقام أمين ، حسن المنظر ، طيب المقام ، ( خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما ) [ الفرقان:76] ، وأهل النار يصيرون إلى الدركات السافلات ، والحسرات المتتابعات ، وأنواع العذاب والعقوبات ، ( إنها ساءت مستقرا ومقاما ) [ الفرقان:66] أي:بئس المنزل منظرا وبئس المقيل مقاما; ولهذا قال:( أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ) أي:بما عملوه من الأعمال المتقبلة ، نالوا ما نالوا ، وصاروا إلى ما صاروا إليه ، بخلاف أهل النار فإنه ليس لهم عمل واحد يقتضي لهم دخول الجنة والنجاة من النار ، فنبه - تعالى - بحال السعداء على حال الأشقياء ، وأنه لا خير عندهم بالكلية ، فقال:( أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ) .
قال الضحاك:عن ابن عباس:إنما هي ضحوة ، فيقيل أولياء الله على الأسرة مع الحور العين ، ويقيل أعداء الله مع الشياطين مقرنين .
وقال سعيد بن جبير:يفرغ الله من الحساب نصف النهار ، فيقيل أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار ، قال الله تعالى:( أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ) .
وقال عكرمة:إني لأعرف الساعة التي يدخل فيها أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار:هي الساعة التي تكون في الدنيا عند ارتفاع الضحى الأكبر ، إذا انقلب الناس إلى أهليهم للقيلولة ، فينصرف أهل النار إلى النار ، وأما أهل [ الجنة فينطلق بهم إلى] الجنة ، فكانت قيلولتهم [ في الجنة] وأطعموا كبد حوت ، فأشبعهم [ ذلك] كلهم ، وذلك قوله:( أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ) .
وقال سفيان ، عن ميسرة ، عن المنهال ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود ، أنه قال:لا ينتصف النهار حتى يقيل هؤلاء وهؤلاء ثم قرأ:( أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ) وقرأ ) ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم ) [ الصافات:68] .
وقال العوفي ، عن ابن عباس في قوله:( أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ) قال:قالوا في الغرف من الجنة ، وكان حسابهم أن عرضوا على ربهم عرضة واحدة ، وذلك الحساب اليسير ، وهو مثل قوله تعالى:( فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا ) [ الانشقاق:7 - 9] .
وقال قتادة في قوله:( أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ) أي:مأوى ومنزلا قال قتادة:وحدث صفوان بن محرز أنه قال:يجاء يوم القيامة برجلين ، أحدهما كان ملكا في الدنيا إلى الحمرة والبياض فيحاسب ، فإذا عبد ، لم يعمل خيرا فيؤمر به إلى النار . والآخر كان صاحب كساء في الدنيا ، فيحاسب فيقول:يا رب ، ما أعطيتني من شيء فتحاسبني به . فيقول:صدق عبدي ، فأرسلوه . فيؤمر به إلى الجنة ، ثم يتركان ما شاء الله . ثم يدعى صاحب النار ، فإذا هو مثل الحممة السوداء ، فيقال له:كيف وجدت؟ فيقول:شر مقيل . فيقال له:عد ثم يدعى بصاحب الجنة ، فإذا هو مثل القمر ليلة البدر ، فيقال له:كيف وجدت؟ فيقول:رب ، خير مقيل . فيقال له:عد . رواها ابن أبي حاتم كلها .
وقال ابن جرير:حدثني يونس ، أنبأنا ابن وهب ، أنبأنا عمرو بن الحارث ، أن سعيدا الصواف حدثه ، أنه بلغه:أن يوم القيامة يقصر على المؤمن حتى يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس ، وأنهم ليقيلون في رياض الجنة حتى يفرغ من الناس ، وذلك قوله تعالى:( أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ) .