قال البخاري:قال أبو العالية:صلاة الله:ثناؤه عليه عند الملائكة ، وصلاة الملائكة:الدعاء . وقال ابن عباس:يصلون:يبركون . هكذا علقه البخاري عنهما .
وقد رواه أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية كذلك . وروي مثله عن الربيع أيضا . وروى علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس كما قاله سواء ، رواهما ابن أبي حاتم .
وقال أبو عيسى الترمذي:وروي عن سفيان الثوري وغير واحد من أهل العلم قالوا:صلاة الرب:الرحمة ، وصلاة الملائكة:الاستغفار .
ثم قال ابن أبي حاتم:حدثنا عمرو الأودي ، حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، قال الأعمش عن عطاء بن أبي رباح ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ) قال:صلاته تبارك وتعالى:سبوح قدوس ، سبقت رحمتي غضبي .
والمقصود من هذه الآية:أن الله سبحانه أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى ، بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين ، وأن الملائكة تصلي عليه . ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعا .
وقد قال ابن أبي حاتم:حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن أشعث بن إسحاق ، عن جعفر - يعني:ابن المغيرة - عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس:أن بني إسرائيل قالوا لموسى عليه السلام:هل يصلي ربك ؟ فناداه ربه:يا موسى ، سألوك:"هل يصلي ربك ؟ "فقل:نعم ، إنما أصلي أنا وملائكتي على أنبيائي ورسلي . فأنزل الله عز وجل ، على نبيه صلى الله عليه وسلم:( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) .
وقد أخبر أنه سبحانه وتعالى ، يصلي على عباده المؤمنين في قوله تعالى:( يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما ) [ الأحزاب:41 - 43] . وقال تعالى:( وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ) [ البقرة:155 - 157] . وفي الحديث:"إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف ". وفي الحديث الآخر:"اللهم ، صل على آل أبي أوفى ". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة جابر - وقد سألته أن يصلي عليها وعلى زوجها - "صلى الله عليك ، وعلى زوجك .
وقد جاءت الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمر بالصلاة عليه ، وكيفية الصلاة عليه ، ونحن نذكر منها إن شاء الله تعالى ما تيسر ، والله المستعان .
قال البخاري - عند تفسير هذه الآية -:حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد ، حدثنا أبي ، عن مسعر ، عن الحكم ، عن ابن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة قال:قيل:يا رسول الله ، أما السلام عليك فقد عرفناه ، فكيف الصلاة ؟ فقال:"قولوا:اللهم ، صل على محمد ، وعلى آل محمد ، [ كما صليت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد . اللهم ، بارك على محمد وعلى آل محمد] كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ".
وقال الإمام أحمد:حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن الحكم قال:سمعت ابن أبي ليلى قال:لقيني كعب بن عجرة فقال:ألا أهدي لك هدية ؟ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا:يا رسول الله ، قد علمنا - أو:عرفنا - كيف السلام عليك ، فكيف الصلاة ؟ قال:"قولوا:اللهم ، صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على [ آل] إبراهيم إنك حميد مجيد . اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ".
وهذا الحديث قد أخرجه الجماعة في كتبهم ، من طرق متعددة ، عن الحكم - وهو ابن عتبة زاد البخاري:وعبد الله بن عيسى ، كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، فذكره .
وقال ابن أبي حاتم:حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا هشيم بن بشير ، عن يزيد بن أبي زياد ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة قال:لما نزلت:( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) . قال:قلنا:يا رسول الله ، قد علمنا السلام فكيف الصلاة عليك ؟ قال:"قولوا:اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد . وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم . إنك حميد مجيد ". وكان عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول:وعلينا معهم .
ورواه الترمذي بهذه الزيادة .
ومعنى قولهم:"أما السلام عليك فقد عرفناه ":هو الذي في التشهد الذي كان يعلمهم إياه ، كما كان يعلمهم السورة من القرآن ، وفيه:"السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ".
حديث آخر:قال البخاري:حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا الليث ، عن ابن الهاد ، عن عبد الله بن خباب ، عن أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، قال:قلنا:يا رسول الله ، هذا السلام فكيف نصلي عليك:قال:"قولوا:اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ، كما صليت على آل إبراهيم . وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم ". [ وفي رواية]:قال أبو صالح ، عن الليث:"على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم ".
حدثنا إبراهيم بن حمزة ، حدثنا ابن أبي حازم والدراوردي ، عن يزيد - يعني ابن الهاد - قال:"كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمد وآل محمد ، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم ".
وأخرجه النسائي وابن ماجه ، من حديث ابن الهاد ، به .
حديث آخر:قال الإمام أحمد:قرأت على عبد الرحمن:مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن أبيه ، عن عمرو بن سليم أنه قال:أخبرني أبو حميد الساعدي أنهم قالوا:يا رسول الله ، كيف نصلي عليك ؟ قال:"قولوا:اللهم "صل على محمد وأزواجه وذريته ، كما صليت على [ آل] إبراهيم ، وبارك على محمد وأزواجه وذريته ، كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ".
وقد أخرجه بقية الجماعة ، سوى الترمذي ، من حديث مالك ، به .
حديث آخر:قال مسلم:حدثنا يحيى التميمي قال:قرأت على مالك ، عن نعيم بن عبد الله المجمر ، أخبرني محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري - قال:وعبد الله بن زيد هو الذي كان أري النداء بالصلاة - أخبره عن أبي مسعود الأنصاري - قال:أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة ، فقال له بشير بن سعد:أمرنا الله أن نصلي عليك [ يا رسول الله] ، فكيف نصلي عليك ؟ قال:فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"قولوا:اللهم صل على محمد ، وعلى آل محمد ، كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين ، إنك حميد مجيد ، والسلام كما قد علمتم ".
وقد رواه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي من حديث مالك ، به . وقال الترمذي:حسن صحيح .
وروى الإمام أحمد ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، والحاكم في مستدركه ، من حديث محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه ، عن أبي مسعود البدري أنهم قالوا:يا رسول الله ، أما السلام فقد عرفناه ، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا ؟ فقال:"قولوا:اللهم ، صل على محمد وعلى آل محمد . . . "وذكره .
ورواه الشافعي رحمه الله في مسنده ، عن أبي هريرة ، بمثله . ومن هاهنا ذهب الشافعي رحمه الله إلى أنه يجب على المصلي أن يصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير ، فإن تركه لم تصح صلاته . وقد شرع بعض المتأخرين من المالكية وغيرهم يشنع على الإمام الشافعي في اشتراطه ذلك في الصلاة ، ويزعم أنه قد تفرد بذلك ، وحكى الإجماع على خلافه أبو جعفر الطبري والطحاوي والخطابي وغيرهم ، فيما نقله القاضي عياض . وقد تعسف القائل في رده على الشافعي ، وتكلف في دعواه الإجماع في ذلك ، [ وقال ما لم يحط به علما] ، فإنه قد روينا وجوب ذلك والأمر بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة كما هو ظاهر الآية ، ومفسر بهذا الحديث عن جماعة من الصحابة ، منهم:ابن مسعود ، وأبو مسعود البدري ، وجابر بن عبد الله ، ومن التابعين:الشعبي ، وأبو جعفر الباقر ، ومقاتل بن حيان . وإليه ذهب الشافعي ، لا خلاف عنه في ذلك ولا بين أصحابه أيضا ، وإليه ذهب [ الإمام] أحمد أخيرا فيما حكاه عنه أبو زرعة الدمشقي ، به . وبه قال إسحاق ابن راهويه ، والفقيه الإمام محمد بن إبراهيم المعروف بابن المواز المالكي ، رحمهم الله ، حتى إن بعض أئمة الحنابلة أوجب أن يقال في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كما علمهم أن يقولوا لما سألوه ، وحتى إن بعض أصحابنا أوجب الصلاة على الآل ممن حكاه البندنيجي ، وسليم الرازي ، وصاحبه نصر بن إبراهيم المقدسي ، ونقله إمام الحرمين وصاحبه الغزالي قولا عن الشافعي . والصحيح أنه وجه ، على أن الجمهور على خلافه ، وحكوا الإجماع على خلافه ، وللقول بوجوبه ظواهر الحديث ، والله أعلم .
والغرض أن الشافعي رحمه الله لقوله بوجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة - سلف وخلف كما تقدم ، لله الحمد والمنة ، فلا إجماع على خلافه في هذه المسألة لا قديما ولا حديثا ، والله أعلم .
ومما يؤيد ذلك:الحديث الآخر الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي - وصححه - والنسائي وابن خزيمة ، وابن حبان في صحيحيهما ، من رواية حيوة بن شريح المصري ، عن أبي هانئ حميد بن هانئ ، عن عمرو بن مالك أبي علي الجنبي ، عن فضالة بن عبيد ، رضي الله عنه ، قال:سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته ، لم يمجد الله ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"عجل هذا ". ثم دعاه فقال له ولغيره:"إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله ، عز وجل ، والثناء عليه ، ثم ليصل على النبي ثم ليدع [ بعد] بما شاء ".
وكذا الحديث الذي رواه ابن ماجه ، من رواية عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي ، عن أبيه ، عن جده ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لا صلاة لمن لا وضوء له ، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ، ولا صلاة لمن لم يصل على النبي ، ولا صلاة لمن لم يحب الأنصار .
ولكن عبد المهيمن هذا متروك . وقد رواه الطبراني من رواية أخيه "أبي بن عباس "، ولكن في ذلك نظر . وإنما يعرف من رواية "عبد المهيمن "، والله أعلم .
حديث آخر:قال الإمام أحمد:حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا إسماعيل ، عن أبي داود الأعمى ، عن بريدة قال:قلنا:يا رسول الله ، قد علمنا كيف نسلم عليك ، فكيف نصلي عليك ؟ قال:"قولوا:اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد ، كما جعلتها على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ".
أبو داود الأعمى اسمه:نفيع بن الحارث ، متروك .
حديث آخر موقوف:رويناه من طريق سعيد بن منصور وزيد بن الحباب ويزيد بن هارون ، ثلاثتهم عن نوح بن قيس:حدثنا سلامة الكندي:أن عليا ، رضي الله عنه ، كان يعلم الناس هذا الدعاء:اللهم داحي المدحوات ، وبارئ المسموكات ، وجبار القلوب على فطرتها شقيها وسعيدها . اجعل شرائف صلواتك ، ونوامي بركاتك ، ورأفة تحننك ، على محمد عبدك ورسولك ، الخاتم لما سبق ، والفاتح لما أغلق ، والمعلن الحق بالحق ، والدامغ جيشات الأباطيل ، كما حمل فاضطلع بأمرك لطاعتك ، مستوفزا في مرضاتك ، غير نكل في قدم ، ولا وهن في عزم ، واعيا لوحيك ، حافظا لعهدك ، ماضيا على نفاذ أمرك ، حتى أورى قبسا لقابس ، آلاء الله تصل بأهله أسبابه ، به هديت القلوب بعد خوضات الفتن والإثم ، [ وأقام] موضحات الأعلام ، ومنيرات الإسلام ونائرات الأحكام ، فهو أمينك المأمون ، وخازن علمك المخزون ، وشهيدك يوم الدين ، وبعيثك نعمة ، ورسولك بالحق رحمة . اللهم افسح له مفسحات في عدلك ، واجزه مضاعفات الخير من فضلك . مهنآت له غير مكدرات ، من فوز ثوابك المعلول ، وجزيل عطائك المجمول . اللهم أعل على بناء البانين بنيانه وأكرم مثواه لديك ونزله . وأتمم له نوره ، واجزه من ابتعاثك له مقبول الشهادة ، مرضي المقالة ، ذا منطق عدل ، وخطة فصل ، وحجة وبرهان عظيم .
هذا مشهور من كلام علي ، رضي الله عنه ، وقد تكلم عليه ابن قتيبة في مشكل الحديث ، وكذا أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي في جزء جمعه في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا أن في إسناده نظرا .
قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي:سلامة الكندي هذا ليس بمعروف ، ولم يدرك عليا . كذا قال . وقد روى الحافظ أبو القاسم الطبراني هذا الأثر عن محمد بن علي الصائغ ، عن سعيد بن منصور ، حدثنا نوح بن قيس ، عن سلامة الكندي قال:كان علي ، رضي الله عنه ، يعلمنا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول:"اللهم ، داحي المدحوات "وذكره .
حديث آخر موقوف:قال ابن ماجه:[ حدثنا الحسين بن بيان] ، حدثنا زياد بن عبد الله ، حدثنا المسعودي ، عن عون بن عبد الله ، عن أبي فاختة ، عن الأسود بن يزيد ، عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه ، قال:إذا صليتم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنوا الصلاة عليه ; فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه . قال:فقالوا له:فعلمنا . قال:قولوا:اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين ، وإمام المتقين ، وخاتم النبيين ، محمد عبدك ورسولك ، إمام الخير وقائد الخير ، ورسول الرحمة . اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون ، اللهم صل على محمد [ وعلى آل محمد] ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .
وهذا موقوف ، وقد روى إسماعيل القاضي عن عبد الله بن عمرو - أو:عمر - على الشك من الراوي قريبا من هذا .
حديث آخر:قال قال ابن جرير:حدثنا أبو كريب ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا أبو إسرائيل ، عن يونس بن خباب قال:خطبنا بفارس فقال:( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) ، فقال:أنبأني من سمع ابن عباس يقول:هكذا أنزل . فقلنا - أو:قالوا - يا رسول الله ، علمنا السلام عليك ، فكيف الصلاة عليك ؟ فقال:"اللهم ، صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، وارحم محمدا وآل محمد ، كما رحمت آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، [ وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم ، إنك حميد مجيد] .
فيستدل بهذا الحديث من ذهب إلى جواز الترحم على النبي صلى الله عليه وسلم ، كما هو قول الجمهور:ويعضده حديث الأعرابي الذي قال:اللهم ، ارحمني ومحمدا ، ولا ترحم معنا أحدا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لقد حجرت واسعا ".
وحكى القاضي عياض عن جمهور المالكية منعه ، قال:وأجازه أبو محمد بن أبي زيد .
حديث آخر:قال الإمام أحمد:حدثنا محمد بن جعفر ، أخبرنا شعبة ، عن عاصم بن عبيد الله قال:سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة يحدث عن أبيه قال:سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"من صلى علي صلاة لم تزل الملائكة تصلي عليه ما صلى علي ، فليقل عبد من ذلك أو ليكثر ".
ورواه ابن ماجه ، من حديث شعبة ، به .
حديث آخر:قال الإمام أحمد:حدثنا أبو سلمة منصور بن سلمة الخزاعي ، ويونس - هو ابن محمد - قالا حدثنا ليث ، عن يزيد بن الهاد ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن أبي الحويرث ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن عبد الرحمن بن عوف قال:خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعته حتى دخل نخلا فسجد فأطال السجود ، حتى خفت - أو:خشيت - أن يكون الله قد توفاه أو قبضه . قال:فجئت أنظر ، فرفع رأسه فقال:"ما لك يا عبد الرحمن ؟ "قال:فذكرت ذلك له فقال:"إن جبريل ، عليه السلام ، قال لي:ألا أبشرك ؟ إن الله ، عز وجل ، يقول:من صلى عليك صليت عليه ، ومن سلم عليك سلمت عليه ".
طريق أخرى:قال الإمام أحمد:حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، حدثنا سليمان بن بلال ، حدثنا عمرو بن أبي عمرو ، عن عبد الواحد بن محمد بن عبد الرحمن بن عوف ، عن عبد الرحمن بن عوف قال:خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوجه نحو صدقته ، فدخل فاستقبل القبلة ، فخر ساجدا ، فأطال السجود ، حتى ظننت أن الله قد قبض نفسه فيها ، فدنوت منه ثم جلست ، فرفع رأسه فقال:"من هذا ؟ "فقلت:عبد الرحمن . قال:"ما شأنك ؟ "قلت:يا رسول الله ، سجدت سجدة خشيت أن [ يكون] الله ، عز وجل ، قبض نفسك فيها . فقال:"إن جبريل أتاني فبشرني أن الله ، عز وجل ، يقول لك:من صلى عليك صليت عليه ، ومن سلم عليك سلمت عليه - فسجدت لله عز وجل ، شكرا ".
حديث آخر:قال [ الحافظ] أبو القاسم الطبراني:حدثنا محمد بن عبد الرحيم بن بحير بن عبد الله بن معاوية بن بحير بن ريسان ، [ حدثنا عمرو بن الربيع بن طارقة] ، حدثنا يحيى بن أيوب ، حدثنا عبد الله بن عمر ، عن الحكم بن عتيبة ، عن إبراهيم النخعي ، عن الأسود بن يزيد ، عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، قال:خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة فلم يجد أحدا يتبعه ، ففزع عمر ، فأتاه بمطهرة من خلفه ، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم ساجدا في مشربة ، فتنحى عنه من خلفه حتى رفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه ، فقال:"أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجدا فتنحيت عني ، إن جبريل أتاني فقال:من صلى عليك من أمتك واحدة ، صلى الله عليه عشر صلوات ، ورفعه عشر درجات ".
وقد اختار هذا الحديث الحافظ الضياء المقدسي في كتابه "المستخرج على الصحيحين ".
وقد رواه إسماعيل القاضي ، عن القعنبي ، عن سلمة بن وردان ، عن أنس ، عن عمر بنحوه .
ورواه أيضا عن يعقوب بن حميد ، عن أنس بن عياض ، عن سلمة بن وردان ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، عن عمر بن الخطاب ، بنحوه .
حديث آخر:قال أبو عيسى الترمذي:حدثنا بندار ، حدثنا محمد بن خالد بن عثمة ، حدثني موسى بن يعقوب الزمعي ، حدثني عبد الله بن كيسان ; أن عبد الله بن شداد أخبره ، عن عبد الله بن مسعود ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة ".
تفرد بروايته الترمذي رحمه الله ثم قال:هذا حديث حسن غريب .
حديث آخر:قال إسماعيل القاضي:حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، عن يعقوب بن زيد بن طلحة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أتاني آت من ربي فقال لي:ما من عبد يصلي عليك صلاة إلا صلى الله عليه بها عشرا ". فقام رجل فقال:يا رسول الله ، ألا أجعل نصف دعائي لك ؟ قال:"إن شئت ". قال:ألا أجعل ثلثي دعائي لك ؟ قال:"إن شئت ". قال:ألا أجعل دعائي لك كله ؟ قال:"إذن يكفيك الله هم الدينا وهم الآخرة ". فقال شيخ - كان بمكة ، يقال له:منيع - لسفيان:عمن أسنده ؟ قال:لا أدري .
حديث آخر:قال إسماعيل القاضي:حدثنا سعيد بن سلام العطار ، حدثنا سفيان - يعني الثوري - عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن الطفيل بن أبي بن كعب ، عن أبيه قال:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج في جوف الليل فيقول:"جاءت الراجفة ، تتبعها الرادفة ، جاء الموت بما فيه ". قال أبي:يا رسول الله ، إني أصلي من الليل ، أفأجعل لك ثلث صلاتي ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الشطر ". قال:أفأجعل لك شطر صلاتي ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الثلثان ". قال أفأجعل لك صلاتي كلها ؟ قال:"إذن يغفر الله ذنبك كله ".
وقد رواه الترمذي بنحوه فقال:حدثنا هناد ، حدثنا قبيصة ، حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن الطفيل بن أبي بن كعب ، عن أبيه قال:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام فقال:"يا أيها الناس ، اذكروا الله ، اذكروا الله ، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة ، جاء الموت بما فيه ، جاء الموت بما فيه ". قال أبي:قلت:يا رسول الله ، إني أكثر الصلاة عليك ، فكم أجعل لك من صلاتي ؟ قال:"ما شئت ". قلت:الربع ؟ قال:"ما شئت ، فإن زدت فهو خير لك ". قلت:فالنصف ؟ قال:"ما شئت ، فإن زدت فهو خير لك ". قلت:فالثلثين ؟ قال:"ما شئت ، فإن زدت فهو خير لك ". قلت:أجعل لك صلاتي كلها ؟ قال:"إذن تكفى همك ، ويغفر لك ذنبك ".
ثم قال:هذا حديث حسن .
وقال الإمام أحمد:حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن الطفيل بن أبي ، عن أبيه قال:قال رجل:يا رسول الله ، أرأيت إن جعلت صلاتي كلها عليك ؟ قال:"إذن يكفيك الله ما أهمك من دنياك وآخرتك ".
حديث آخر:قال الإمام أحمد:حدثنا أبو كامل ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن سليمان مولى الحسن بن علي ، عن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أبيه; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم ، والسرور يرى في وجهه ، فقالوا:يا رسول الله ، إنا لنرى السرور في وجهك . فقال:"إنه أتاني الملك فقال:يا محمد ، أما يرضيك أن ربك ، عز وجل ، يقول:إنه لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرا ، ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشرا ؟ قال:بلى ".
ورواه النسائي من حديث حماد بن سلمة ، به . وقد رواه إسماعيل القاضي ، عن إسماعيل بن أبي أويس ، عن أخيه ، عن سليمان بن بلال ، عن عبيد الله بن عمر ، عن ثابت ، عن أبي طلحة ، بنحوه .
طريق أخرى:قال [ الإمام] أحمد:حدثنا سريج ، حدثنا أبو معشر ، عن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن أبي طلحة الأنصاري قال:أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما طيب النفس ، يرى في وجهه البشر ، قالوا:يا رسول الله ، أصبحت اليوم طيب النفس ، يرى في وجهك البشر ؟ قال:"أجل ، أتاني آت من ربي ، عز وجل ، فقال:من صلى عليك من أمتك صلاة ، كتب الله له بها عشر حسنات ، ومحا عنه عشر سيئات ، ورفع له عشر درجات ، ورد عليه مثلها ".
وهذا أيضا إسناد جيد ، ولم يخرجوه .
حديث آخر:روى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ، من حديث إسماعيل بن جعفر ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه; عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من صلى علي واحدة ، صلى الله عليه بها عشرا ".
قال الترمذي:هذا حديث حسن صحيح ، وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف ، وعامر بن ربيعة ، وعمار ، وأبي طلحة ، وأنس ، وأبي بن كعب .
وقال الإمام أحمد:حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا شريك ، عن ليث ، عن كعب ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"صلوا علي; فإنها زكاة لكم . وسلوا الله لي الوسيلة; فإنها درجة في أعلى الجنة ، لا ينالها إلا رجل ، وأرجو أن أكون أنا هو ". تفرد به أحمد ، وقد رواه البزار من طريق مجاهد ، عن أبي هريرة ، بنحوه فقال:حدثنا محمد بن إسحاق البكالي ، حدثنا عثمان بن سعيد ، حدثنا داود بن علية ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صلوا علي; فإنها زكاة لكم ، وسلوا الله لي الدرجة الوسيلة من الجنة "فسألناه - أو:أخبرنا - فقال:"هي درجة في أعلى الجنة ، وهي لرجل ، وأنا أرجو أن أكون ذلك الرجل ".
في إسناده بعض من تكلم فيه .
حديث آخر:قال الإمام أحمد:حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا ابن لهيعة ، [ عن عبد الله بن هبيرة] ، عن عبد الرحمن بن مريج الخولاني ، سمعت أبا قيس - مولى عمرو بن العاص - سمعت عبد الله بن عمرو يقول:من صلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة ، صلى الله عليه وملائكته بها سبعين صلاة ، فليقل عبد من ذلك أو ليكثر . وسمعت عبد الله بن عمرو يقول:خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما كالمودع فقال:"أنا محمد النبي الأمي - قاله ثلاث مرات - ولا نبي بعدي ، أوتيت فواتح الكلام وخواتمه وجوامعه ، وعلمت كم خزنة النار وحملة العرش ، وتجوز بي ، عوفيت وعوفيت أمتي ، فاسمعوا وأطيعوا ما دمت فيكم ، فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب الله ، أحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ".
حديث آخر:قال أبو داود الطيالسي:حدثنا أبو سلمة الخراساني ، حدثنا أبو إسحاق ، عن أنس قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من ذكرت عنده فليصل علي ، ومن صلى علي مرة واحدة صلى الله عليه عشرا ".
ورواه النسائي في "اليوم والليلة "، من حديث أبي داود الطيالسي ، عن أبي سلمة - وهو المغيرة بن مسلم الخراساني - عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي ، عن أنس ، به .
وقال الإمام أحمد:حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا يونس بن عمرو - يعني يونس بن أبي إسحاق - عن بريد بن أبي مريم ، عن أنس قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من صلى علي صلاة واحدة ، صلى الله عليه عشر صلوات ، وحط عنه عشر خطيئات ".
حديث آخر:قال الإمام أحمد:حدثنا عبد الملك بن عمرو وأبو سعيد [ قالا]:حدثنا سليمان بن بلال ، عن عمارة بن غزية ، عن عبد الله بن الحسين ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"البخيل من ذكرت عنده ، ثم لم يصل علي ". وقال أبو سعيد:"فلم يصل علي ".
ورواه الترمذي من حديث سليمان بن بلال ، ثم قال:هذا حديث حسن غريب صحيح .
ومن الرواة من جعله من مسند "الحسين بن علي "، ومنهم من جعله من مسند "علي "نفسه . حديث آخر:قال إسماعيل القاضي:حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن معبد بن هلال العنزي ، حدثنا رجل من أهل دمشق ، عن عوف بن مالك ، عن أبي ذر ، رضي الله عنه; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن أبخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل علي ".
حديث آخر مرسل:قال إسماعيل:وحدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا جرير بن حازم ، سمعت الحسن يقول:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بحسب امرئ من البخل أن أذكر عنده فلا يصلي علي "، صلوات الله عليه .
حديث آخر:قال الترمذي:حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، حدثنا ربعي بن إبراهيم ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي . [ ورغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان ، ثم انسلخ قبل أن يغفر له] ، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة ". ثم قال:حسن غريب .
قلت:وقد رواه البخاري في الأدب ، عن محمد بن عبيد الله ، حدثنا ابن أبي حازم ، عن كثير بن زيد ، عن الوليد بن رباح ، عن أبي هريرة مرفوعا ، بنحوه . ورويناه من حديث محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، به . قال الترمذي:وفي الباب عن جابر وأنس .
قلت:وابن عباس ، وكعب بن عجرة ، وقد ذكرت طرق هذا الحديث في أول كتاب الصيام وعند قوله تعالى:( إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما ) [ الإسراء:23] .
وهذا الحديث والذي قبله دليل على وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كلما ذكر ، وهو مذهب طائفة من العلماء [ منهم الطحاوي والحليمي] ، ويتقوى بالحديث الآخر الذي رواه ابن ماجه:
حدثنا جبارة بن المغلس ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا عمرو بن دينار ، عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من نسي الصلاة علي خطئ طريق الجنة ".
جبارة ضعيف . ولكن رواه إسماعيل القاضي من غير وجه ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من نسي الصلاة علي خطئ طريق الجنة ". وهذا مرسل يتقوى بالذي قبله [ والله أعلم] .
وذهب آخرون إلى أنه تجب الصلاة في المجلس مرة واحدة ، ثم لا تجب في بقية ذلك المجلس ، بل تستحب . نقله الترمذي عن بعضهم ، ويتأيد بالحديث الذي رواه الترمذي:
حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان ، عن صالح - مولى التوأمة - عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ، ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة ، فإن شاء عذبهم ، وإن شاء غفر لهم ".
تفرد به الترمذي من هذا الوجه . ورواه الإمام أحمد عن حجاج ويزيد بن هارون ، كلاهما عن ابن أبي ذئب ، عن صالح - مولى التوأمة - عن أبي هريرة ، مرفوعا مثله . ثم قال الترمذي:هذا حديث حسن .
وقد روي عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، من غير وجه ، وقد رواه إسماعيل القاضي من حديث شعبة ، عن سليمان ، عن ذكوان ، عن أبي سعيد قال:"ما من قوم يقعدون ثم يقومون ولا يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم ، إلا كان عليهم حسرة ، وإن دخلوا الجنة لما يرون [ من] الثواب ".
وحكي عن بعضهم أنه إنما تجب الصلاة عليه ، عليه السلام ، في العمر مرة واحدة ، امتثالا لأمر الآية ، ثم هي مستحبة في كل حال ، وهذا هو الذي نصره القاضي عياض بعدما حكى الإجماع على وجوب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في الجملة . قال:وقد حكى الطبراني أن محمل الآية على الندب ، وادعى فيه الإجماع . قال:ولعله فيما زاد على المرة ، والواجب منه مرة كالشهادة له بالنبوة ، وما زاد على ذلك فمندوب مرغب فيه من سنن الإسلام ، وشعار أهله .
قلت:وهذا قول غريب ، فإنه قد ورد الأمر بالصلاة عليه في أوقات كثيرة ، فمنها واجب ، ومنها مستحب على ما نبينه .
فمنه:بعد النداء للصلاة ; للحديث الذي رواه الإمام أحمد:
حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا حيوة ، حدثنا كعب بن علقمة ، أنه سمع عبد الرحمن بن جبير يقول:إنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول:إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إذا سمعتم مؤذنا فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي; فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ، ثم سلوا لي الوسيلة ، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة ".
وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي ، من حديث كعب بن علقمة
طريق أخرى:قال إسماعيل القاضي:حدثنا محمد بن أبي بكر ، حدثنا عمرو بن علي ، عن أبي بكر الجشمي ، عن صفوان بن سليم ، عن عبد الله بن عمرو قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من سأل الله لي الوسيلة ، حقت عليه شفاعتي يوم القيامة ".
حديث آخر:قال إسماعيل القاضي:حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا سعيد بن زيد ، عن ليث ، عن كعب - هو كعب الأحبار - عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صلوا علي ، فإن صلاتكم علي زكاة لكم ، وسلوا الله لي الوسيلة ". قال:فإما حدثنا وإما سألناه ، فقال:"الوسيلة أعلى درجة في الجنة ، لا ينالها إلا رجل ، وأرجو أن أكون ذلك الرجل ".
ثم رواه عن محمد بن أبي بكر ، عن معتمر ، عن ليث - وهو ابن أبي سليم - به . وكذا الحديث الآخر:
قال الإمام أحمد:حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا بكر بن سوادة ، عن زياد بن نعيم ، عن وفاء الحضرمي ، عن رويفع بن ثابت الأنصاري ; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من صلى على محمد وقال:اللهم ، أنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة ، وجبت له شفاعتي ".
وهذا إسناد لا بأس به ، ولم يخرجوه .
أثر آخر قال إسماعيل القاضي:حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، حدثني معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه ، سمعت ابن عباس يقول:اللهم تقبل شفاعة محمد الكبرى ، وارفع درجته العليا ، وأعطه سؤله في الآخرة والأولى ، كما آتيت إبراهيم وموسى ، عليهما السلام . إسناد جيد قوي صحيح .
ومن ذلك:عند دخول المسجد والخروج منه:للحديث الذي رواه الإمام أحمد:
حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا ليث بن أبي سليم ، عن عبد الله بن الحسن ، عن أمه فاطمة بنت الحسين ، عن جدته [ فاطمة] بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت:كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم وقال:"اللهم اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك ". وإذا خرج صلى على محمد وسلم ، ثم قال:"اللهم اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب فضلك ".
وقال إسماعيل القاضي:حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، حدثنا سفيان بن عمر التميمي ، عن سليمان الضبي ، عن علي بن الحسين قال:قال علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه:إذا مررتم بالمساجد فصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم . وأما الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في الصلاة ، فقد قدمنا الكلام عليها في التشهد الأخير ، ومن ذهب إلى ذلك من العلماء مع الشافعي ، رحمه الله . وأما التشهد الأول فلا تجب فيه قولا واحدا ، وهل تستحب ؟ على قولين للشافعي .
ومن ذلك الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة:فإن السنة أن يقرأ في التكبيرة الأولى فاتحة الكتاب ، وفي الثانية أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي الثالثة يدعو للميت ، وفي الرابعة يقول:اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تفتنا بعده .
قال الشافعي ، رحمه الله:حدثنا مطرف بن مازن ، عن معمر ، عن الزهري:أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرا في نفسه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويخلص الدعاء للجنازة ، وفي التكبيرات لا يقرأ في شيء منها ، ثم يسلم سرا في نفسه
ورواه النسائي ، عن أبي أمامة نفسه أنه قال:من السنة ، فذكره .
وهذا من الصحابي في حكم المرفوع على الصحيح .
ورواه إسماعيل القاضي ، عن محمد بن المثنى ، عن عبد الأعلى ، عن معمر ، عن الزهري ، عن أبي أمامة بن سهل ، عن سعيد بن المسيب أنه قال:السنة في الصلاة على الجنازة . . . فذكره .
وهكذا روي عن أبي هريرة ، وابن عمر ، والشعبي .
ومن ذلك:في صلاة العيد:قال إسماعيل القاضي:حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا هشام الدستوائي ، حدثنا حماد بن أبي سليمان ، عن إبراهيم ، عن علقمة:أن ابن مسعود وأبا موسى وحذيفة خرج عليهم الوليد بن عقبة يوما قبل العيد ، فقال لهم:إن هذا العيد قد دنا ، فكيف التكبير فيه ؟ قال عبد الله:تبدأ فتكبر تكبيرة تفتتح بها الصلاة ، وتحمد ربك وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تدعو ، وتكبر وتفعل مثل ذلك ، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك ، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك ، ثم تقرأ ، ثم تكبر وتركع ، ثم تقوم فتقرأ وتحمد ربك وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تدعو وتكبر ، وتفعل مثل ذلك ، ثم تركع . فقال حذيفة وأبو موسى:صدق أبو عبد الرحمن . إسناد صحيح
ومن ذلك:أنه يستحب ختم الدعاء بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم قال الترمذي:
حدثنا أبو داود ، أخبرنا النضر بن شميل ، عن أبي قرة الأسدي ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر بن الخطاب قال:الدعاء موقوف بين السماء والأرض ، لا يصعد حتى تصلي على نبيك .
وهكذا رواه أيوب بن موسى ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر بن الخطاب ، قوله . ورواه معاذ بن الحارث ، عن أبي قرة ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر مرفوعا . وكذا رواه رزين بن معاوية في كتابه مرفوعا ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الدعاء موقوف بين السماء والأرض ، لا يصعد حتى يصلى علي ، فلا تجعلوني كغمر الراكب ، صلوا علي أول الدعاء وأوسطه وآخره ".
وهذه الزيادة إنما تروى من رواية جابر بن عبد الله في مسند الإمام عبد بن حميد الكشي [ حيث] قال:حدثنا جعفر بن عون ، أخبرنا موسى بن عبيدة ، عن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم ، عن أبيه قال:قال جابر:قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:لا تجعلوني كقدح الراكب ، إذا علق تعاليقه أخذ قدحه فملأه من الماء ، فإن كان له حاجة في الوضوء توضأ ، وإن كان له حاجة في الشرب شرب وإلا أهراق ما فيه ، اجعلوني في أول الدعاء ، وفي ، وسط الدعاء ، وفي آخر الدعاء ". فهذا حديث غريب ، وموسى بن عبيدة ضعيف الحديث .
ومن [ آكد] ذلك:دعاء القنوت:لما رواه الإمام أحمد وأهل السنن ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، والحاكم ، من حديث أبي الحوراء ، عن الحسن بن علي ، رضي الله عنهما ، قال:علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر:"اللهم اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت تباركت [ ربنا] وتعاليت ".
وزاد النسائي في سننه بعد هذا:وصلى الله على النبي محمد .
ومن ذلك:أنه يستحب الإكثار من الصلاة عليه [ في] يوم الجمعة وليلة الجمعة:قال الإمام أحمد:حدثنا حسين بن علي الجعفي ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن أبي الأشعث الصنعاني ، عن أوس بن أوس الثقفي ، رضي الله عنه ، قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من أفضل أيامكم يوم الجمعة ، فيه خلق آدم ، وفيه قبض ، وفيه النفخة ، وفيه الصعقة ، فأكثروا علي من الصلاة فيه ، فإن صلاتكم معروضة علي ". قالوا:يا رسول الله ، وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت ؟ - يعني:وقد بليت - قال:"إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ".
ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه ، من حديث حسين بن علي الجعفي . وقد صحح هذا الحديث ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني ، والنووي في الأذكار .
حديث آخر:قال أبو عبد الله بن ماجه:حدثنا عمرو بن سواد المصري ، حدثنا عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن زيد بن أيمن ، عن عبادة بن نسي ، عن أبي الدرداء قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة; فإنه مشهود تشهده الملائكة . وإن أحدا لا يصلي علي إلا عرضت علي صلاته حتى يفرغ منها ". قال:قلت:وبعد الموت ؟ قال:"[ وبعد الموت] ، إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء "[ فنبي الله حي يرزق] .
هذا حديث غريب من هذا الوجه ، وفيه انقطاع بين عبادة بن نسي وأبي الدرداء ، فإنه لم يدركه ، والله أعلم .
وقد روى البيهقي من حديث أبي أمامة وأبي مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بالإكثار من الصلاة عليه ليلة الجمعة ويوم الجمعة ، ولكن في إسنادهما ضعف ، والله أعلم . وروي مرسلا عن الحسن البصري ، فقال إسماعيل القاضي:
حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا جرير بن حازم ، سمعت الحسن - هو البصري - يقول:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا تأكل الأرض جسد من كلمه روح القدس ". مرسل حسن .
وقال الشافعي:أخبرنا إبراهيم بن محمد ، أخبرنا صفوان بن سليم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا كان يوم الجمعة وليلة الجمعة ، فأكثروا الصلاة علي ". هذا مرسل .
وهكذا يجب على الخطيب أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على المنبر في الخطبتين ، ولا تصح الخطبتان إلا بذلك; لأنها عبادة ، وذكر الله فيها شرط ، فوجب ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم فيها كالأذان والصلاة . هذا مذهب الشافعي وأحمد رحمهما الله .
ومن ذلك:أنه يستحب الصلاة والسلام عليه عند زيارة قبره ، صلوات الله وسلامه عليه:قال أبو داود:
حدثنا ابن عوف - هو محمد - حدثنا المقري ، حدثنا حيوة ، عن أبي صخر حميد بن زياد ، عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن أبي هريرة; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي ، حتى أرد عليه السلام ".
تفرد به أبو داود ، وصححه النووي في الأذكار . ثم قال أبو داود:
حدثنا أحمد بن صالح قال