ثم قال منبها لهم على قدرته في خلق السماوات والأرض ، فقال:( أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض ) أي:حيثما توجهوا وذهبوا فالسماء مظلة مظللة عليهم ، والأرض تحتهم ، كما قال:( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون . والأرض فرشناها فنعم الماهدون ) [ الذاريات:47 ، 48] .
قال عبد بن حميد:أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة:( أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض ) ؟ قال:إنك إن نظرت عن يمينك أو عن شمالك ، أو من بين يديك أو من خلفك ، رأيت السماء والأرض .
وقوله:( إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء ) أي:لو شئنا لفعلنا بهم ذلك لظلمهم وقدرتنا عليهم ، ولكن نؤخر ذلك لحلمنا وعفونا .
ثم قال:( إن في ذلك لآية لكل عبد منيب ) قال معمر ، عن قتادة:( منيب ):تائب .
وقال سفيان عن قتادة:المنيب:المقبل إلى الله عز وجل .
أي إن في النظر إلى خلق السماء والأرض لدلالة لكل عبد فطن لبيب رجاع إلى الله ، على قدرة الله على بعث الأجساد ووقوع المعاد; لأن من قدر على خلق هذه السماوات في ارتفاعها واتساعها ، وهذه الأرضين في انخفاضها وأطوالها وأعراضها ، إنه لقادر على إعادة الأجسام ونشر الرميم من العظام ، كما قال تعالى:( أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى ) [ يس:81] ، وقال:( لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) [ غافر:57] .