( وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده ) أي:يقول المؤمنون إذا عاينوا في الجنة ذلك الثواب الوافر ، والعطاء العظيم ، والنعيم المقيم ، والملك الكبير ، يقولون عند ذلك:( الحمد لله الذي صدقنا وعده ) أي:الذي كان وعدنا على ألسنة رسله الكرام ، كما دعوا في الدنيا:( ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد ) [ آل عمران:194] ، ( وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ) [ الأعراف:43] ، ( وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب ) [ فاطر:35 ، 34] .
وقولهم:( وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين ) قال أبو العالية ، وأبو صالح ، وقتادة ، والسدي ، وابن زيد:أي أرض الجنة .
وهذه الآية كقوله:( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) [ الأنبياء:105] ، ولهذا قالوا:( نتبوأ من الجنة حيث نشاء ) أي:أين شئنا حللنا ، فنعم الأجر أجرنا على عملنا .
وفي الصحيحين من حديث الزهري ، عن أنس في قصة المعراج قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"أدخلت الجنة ، فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ ، وإذا ترابها المسك ".
وقال عبد بن حميد:حدثنا روح بن عبادة ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا الجريري ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد [ رضي الله عنه] أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل ابن صائد عن تربة الجنة ؟ فقال:درمكة بيضاء مسك خالص:فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"صدق ".
وكذا رواه مسلم ، من حديث أبي مسلمة ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ، به .
ورواه مسلم [ أيضا] عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن أبي أسامة ، عن الجريري ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد ; أن ابن صائد سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن تربة الجنة ، فقال:"درمكة بيضاء مسك خالص ".
وقول ابن أبي حاتم:حدثنا أبي ، حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عاصم بن ضمرة ، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في قوله تعالى:( وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا ) ، قال:سيقوا حتى انتهوا إلى باب من أبواب الجنة ، فوجدوا عندها شجرة يخرج من تحت ساقها عينان ، فعمدوا إلى إحداهما فتطهروا منها ، فجرت عليهم نضرة النعيم ، فلم تغير أبشارهم بعدها أبدا ، ولم تشعث أشعارهم أبدا بعدها ، كأنما دهنوا بالدهان ، ثم عمدوا إلى الأخرى كأنما أمروا بها ، فشربوا منها ، فأذهبت ما كان في بطونهم من أذى أو قذى ، وتلقتهم الملائكة على أبواب الجنة:( سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ) . ويلقى كل غلمان صاحبهم يطيفون به ، فعل الولدان بالحميم جاء من الغيبة:أبشر ، قد أعد الله لك من الكرامة كذا وكذا ، قد أعد الله لك من الكرامة كذا وكذا . وقال:وينطلق غلام من غلمانه إلى أزواجه من الحور العين ، فيقول:هذا فلان - باسمه في الدنيا - فيقلن:أنت رأيته ؟ فيقول:نعم . فيستخفهن الفرح حتى تخرج إلى أسكفة الباب . قال:فيجيء فإذا هو بنمارق مصفوفة ، وأكواب موضوعة ، وزرابي مبثوثة . قال:ثم ينظر إلى تأسيس بنيانه ، فإذا هو قد أسس على جندل اللؤلؤ ، بين أحمر وأخضر وأصفر [ وأبيض] ، ومن كل لون . ثم يرفع طرفه إلى سقفه ، فلولا أن الله قدره له ، لألم أن يذهب ببصره ، إنه لمثل البرق . ثم ينظر إلى أزواجه من الحور العين ، ثم يتكئ على أريكة من أرائكه ، ثم يقول:( الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ) [ الأعراف:43] الآية .
ثم قال:حدثنا ، أبي حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي ، حدثنا مسلمة بن جعفر البجلي قال:سمعت أبا معاذ البصري يقول:إن عليا - رضي الله عنه - كان ذات يوم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:"والذي نفسي ، بيده إنهم إذا خرجوا من قبورهم يستقبلون - أو:يؤتون - بنوق لها أجنحة ، وعليها رحال الذهب ، شراك نعالهم نور يتلألأ كل خطوة منها مد البصر ، فينتهون إلى شجرة ينبع من أصلها عينان ، فيشربون من إحداهما فيغسل ما في بطونهم من دنس ، ويغتسلون من الأخرى ، فلا تشعث أبشارهم ولا أشعارهم بعدها أبدا ، وتجري عليهم نضرة النعيم ، فينتهون - أو:فيأتون - باب الجنة ، فإذا حلقة من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب ، فيضربون بالحلقة على الصفيحة ، فيسمع لها طنين يا علي ، فيبلغ كل حوراء أن زوجها قد أقبل ، فتبعث قيمها فيفتح له ، فإذا رآه خر له - قال مسلمة:أراه قال:ساجدا - فيقول:ارفع رأسك ، فإنما أنا قيمك ، وكلت بأمرك . فيتبعه ويقفو أثره ، فتستخف الحوراء العجلة ، فتخرج من خيام الدر والياقوت حتى تعتنقه ، ثم تقول:أنت حبي ، وأنا حبك ، وأنا الخالدة التي لا أموت ، وأنا الناعمة التي لا أبأس ، وأنا الراضية التي لا أسخط ، وأنا المقيمة التي لا أظعن ". فيدخل بيتا من أسه إلى سقفه مائة ألف ذراع ، بناؤه على جندل اللؤلؤ ، طرائق أصفر وأخضر وأحمر ، ليس فيها طريق تشاكل صاحبتها ، في البيت سبعون سريرا ، على كل سرير سبعون حشية ، على كل حشية سبعون زوجة ، على كل زوجة سبعون حلة ، يرى مخ ساقها من باطن الحلل ، يقضي جماعها في مقدار ليلة من لياليكم هذه . الأنهار من تحتهم تطرد ، أنهار من ماء غير آسن - قال:صاف ، لا كدر فيه - وأنهار من لبن لم يتغير طعمه - قال:لم يخرج من ضروع الماشية - وأنهار من خمر لذة للشاربين - قال:لم تعصرها الرجال بأقدامهم - وأنهار من عسل مصفى - قال:لم يخرج من بطون النحل . يستجني الثمار ، فإن شاء قائما ، وإن شاء قاعدا ، وإن شاء متكئا - ثم تلا ( ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا ) [ الإنسان:14] - فيشتهي الطعام فيأتيه طير أبيض - قال:وربما قال:أخضر . قال:- فترفع أجنحتها ، فيأكل من جنوبها ، أي الألوان شاء ، ثم يطير فيذهب ، فيدخل الملك فيقول:سلام عليكم ، تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون . ولو أن شعرة من شعر الحوراء وقعت لأهل الأرض ، لأضاءت الشمس معها سوادا في نور ".
هذا حديث غريب ، وكأنه مرسل ، والله أعلم .