وهذا إخبار عن حال السعداء المؤمنين حين يساقون على النجائب وفدا إلى الجنة ) زمرا ) أي:جماعة بعد جماعة:المقربون ، ثم الأبرار ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم كل طائفة مع من يناسبهم:الأنبياء مع الأنبياء والصديقون مع أشكالهم ، والشهداء مع أضرابهم ، والعلماء مع أقرانهم ، وكل صنف مع صنف ، كل زمرة تناسب بعضها بعضا .
( حتى إذا جاءوها ) أي:وصلوا إلى أبواب الجنة بعد مجاوزة الصراط حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار ، فاقتص لهم مظالم كانت بينهم في الدنيا ، حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة ، وقد ورد في حديث الصور أن المؤمنين إذا انتهوا إلى أبواب الجنة تشاوروا فيمن يستأذن لهم بالدخول ، فيقصدون ، آدم ، ثم نوحا ، ثم إبراهيم ، ثم موسى ، ثم عيسى ، ثم محمدا ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، كما فعلوا في العرصات عند استشفاعهم إلى الله - عز وجل - أن يأتي لفصل القضاء ، ليظهر شرف محمد - صلى الله عليه وسلم - على سائر البشر في المواطن كلها .
وقد ثبت في صحيح مسلم عن أنس - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"أنا أول شفيع في الجنة "وفي لفظ لمسلم:"وأنا أول من يقرع باب الجنة ". .
وقال الإمام أحمد:حدثنا هاشم ، حدثنا سليمان ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"آتي باب الجنة يوم القيامة فأستفتح ، فيقول الخازن:من أنت ؟ فأقول:محمد . قال:يقول:بك أمرت ألا أفتح لأحد قبلك ".
ورواه مسلم عن عمرو الناقد وزهير بن حرب ، كلاهما عن أبي النضر هاشم بن القاسم ، عن سليمان - وهو ابن المغيرة القيسي - عن ثابت ، عن أنس ، به .
وقال الإمام أحمد:حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه ، عن أبي هريرة قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"أول زمرة تلج الجنة صورهم على صورة القمر ليلة البدر ، لا يبصقون فيها ، ولا يمتخطون فيها ، ولا يتغوطون فيها . آنيتهم وأمشاطهم الذهب والفضة ، ومجامرهم الألوة ، ورشحهم المسك ، ولكل واحد منهم زوجتان ، يرى مخ ساقهما من وراء اللحم من الحسن . لا اختلاف بينهم ولا تباغض ، قلوبهم على قلب واحد يسبحون الله بكرة وعشيا ".
رواه البخاري عن محمد بن مقاتل ، عن ابن المبارك . ورواه مسلم ، عن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق ، كلاهما عن معمر بإسناده نحوه . وكذا رواه أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة [ رضي الله عنه] ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وقال الحافظ أبو يعلى:حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا جرير ، عن عمارة بن القعقاع ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة [ رضي الله عنه] قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ، والذين يلونهم على ضوء أشد كوكب دري في السماء إضاءة ، لا يبولون ولا يتغوطون ولا يتفلون ولا يمتخطون ، أمشاطهم الذهب ورشحهم المسك ، ومجامرهم الألوة ، وأزواجهم الحور العين ، أخلاقهم على خلق رجل واحد ، على صورة أبيهم آدم ، ستون ذراعا في السماء ".
وأخرجاه أيضا من حديث جرير .
وقال الزهري ، عن سعيد ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"يدخل الجنة من أمتي زمرة ، هم سبعون ألفا ، تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة البدر ". فقام عكاشة بن محصن فقال:يا رسول الله ادع الله ، أن يجعلني منهم:فقال:"اللهم اجعله منهم ". ثم قام رجل من الأنصار فقال:يا رسول الله ، ادع الله أن يجعلني منهم . فقال - صلى الله عليه وسلم -:"سبقك بها عكاشة ".
أخرجاه وقد روى هذا الحديث - في السبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب - البخاري ومسلم ، عن ابن عباس ، وجابر بن عبد الله ، وعمران بن حصين ، وابن مسعود ، ورفاعة بن عرابة الجهني ، وأم قيس بنت محصن .
ولهما عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا - أو:سبعمائة ألف - آخذ بعضهم ببعض ، حتى يدخل أولهم وآخرهم الجنة ، وجوههم على صورة القمر ليلة البدر ". .
وقال أبو بكر بن أبي شيبة:حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن محمد بن زياد قال:سمعت أبا أمامة الباهلي يقول:سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:وعدني ربي - عز وجل - أن يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا ، مع كل ألف سبعون ألفا ، ولا حساب عليهم ولا عذاب ، وثلاث حثيات من حثيات ربي - عز وجل - ".
وكذا رواه الوليد بن مسلم ، عن صفوان بن عمرو ، عن سليم بن عامر [ و] أبي اليمان عامر بن عبد الله بن لحي عن أبي أمامة [ رضي الله عنه] .
ورواه الطبراني ، عن عتبة بن عبد السلمي:"ثم يشفع كل ألف في سبعين ألفا ".
وروي مثله ، عن ثوبان وأبي سعيد الأنماري ، وله شواهد من وجوه كثيرة .
وقوله:( حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ) لم يذكر الجواب هاهنا ، وتقديره:حتى إذا جاءوها ، وكانت هذه الأمور من فتح الأبواب لهم إكراما وتعظيما ، وتلقتهم الملائكة الخزنة بالبشارة والسلام والثناء ، لا كما تلقى الزبانية الكفرة بالتثريب والتأنيب ، فتقديره:إذا كان هذا سعدوا وطابوا ، وسروا وفرحوا ، بقدر كل ما يكون لهم فيه نعيم . وإذا حذف الجواب هاهنا ذهب الذهن كل مذهب في الرجاء والأمل .
ومن زعم أن "الواو "في قوله:( وفتحت أبوابها ) واو الثمانية ، واستدل به على أن أبواب الجنة ثمانية ، فقد أبعد النجعة وأغرق في النزع . وإنما يستفاد كون أبواب الجنة ثمانية من الأحاديث الصحيحة .
قال الإمام أحمد:حدثنا عبد الرزاق:أخبرنا معمر ، عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن ، عن أبي هريرة قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله ، دعي من أبواب الجنة ، وللجنة أبواب ، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان "فقال أبو بكر ، رضي الله تعالى عنه:يا رسول الله ، ما على أحد من ضرورة دعي ، من أيها دعي ، فهل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله ؟ قال:"نعم ، وأرجو أن تكون منهم ".
ورواه البخاري ومسلم ، من حديث الزهري ، بنحوه .
وفيهما من حديث أبي حازم سلمة بن دينار ، عن سهل بن سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"إن في الجنة ثمانية أبواب ، باب منها يسمى الريان ، لا يدخله إلا الصائمون ".
وفي صحيح مسلم ، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ - أو:فيسبغ الوضوء - ثم يقول:أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية ، يدخل من أيها شاء ". .
وقال الحسن بن عرفة:حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين ، عن شهر بن حوشب ، عن معاذ - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"مفتاح الجنة:لا إله إلا الله ".
ذكر سعة أبواب الجنة - نسأل الله العظيم من فضله أن يجعلنا من أهلها -:
في الصحيحين من حديث أبي زرعة ، عن أبي هريرة [ رضي الله عنه] في حديث الشفاعة الطويل:"فيقول الله يا محمد ، أدخل من لا حساب عليه .
من أمتك من الباب الأيمن ، وهم شركاء الناس في الأبواب الأخر . والذي نفس محمد بيده ، إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة - ما بين عضادتي الباب - لكما بين مكة وهجر - أو هجر ومكة ". وفي رواية:"مكة وبصرى ".
وفي صحيح مسلم ، عن عتبة بن غزوان أنه خطبهم خطبة فقال فيها:"ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة ، مسيرة أربعين سنة ، وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام ".
وفي المسند عن حكيم بن معاوية ، عن أبيه ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثله .
وقال عبد بن حميد:حدثنا الحسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"إن ما بين مصراعين في الجنة مسيرة أربعين سنة ".
وقوله:( وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم ) أي:طابت أعمالكم وأقوالكم ، وطاب سعيكم فطاب جزاؤكم ، كما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينادى بين المسلمين في بعض الغزوات:"إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة "وفي رواية:"مؤمنة ". .
وقوله:( فادخلوها خالدين ) أي:ماكثين فيها أبدا ، لا يبغون عنها حولا .