وقوله:( أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ) قال السدي:يقول:بل أنا خير من هذا الذي هو مهين . وهكذا قال بعض نحاة البصرة:إن "أم "هاهنا بمعنى "بل ". ويؤيد هذا ما حكاه الفراء عن بعض القراء أنه قرأها:"أما أنا خير من هذا الذي هو مهين ". قال ابن جرير:ولو صحت هذه القراءة لكان معناها صحيحا واضحا ، ولكنها خلاف قراءة الأمصار ، فإنهم قرءوا:( أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ) ؟ على الاستفهام .
قلت:وعلى كل تقدير فإنما يعني فرعون - عليه اللعنة - أنه خير من موسى ، عليه السلام ، وقد كذب في قوله هذا كذبا بينا واضحا ، فعليه لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة .
ويعني بقوله:( مهين ) كما قال سفيان:حقير . وقال قتادة والسدي:يعني:ضعيفا . وقال ابن جرير:يعني:لا ملك له ولا سلطان ولا مال .
( ولا يكاد يبين ) يعني:لا يكاد يفصح عن كلامه ، فهو عيي حصر .
قال السدي:( ولا يكاد يبين ) أي:لا يكاد يفهم . وقال قتادة ، والسدي ، وابن جرير:يعني عيي اللسان . وقال سفيان:يعني في لسانه شيء من الجمرة حين وضعها في فيه وهو صغير .
وهذا الذي قاله فرعون - لعنه الله - كذب واختلاق ، وإنما حمله على هذا الكفر والعناد ، وهو ينظر إلى موسى ، عليه السلام ، بعين كافرة شقية ، وقد كان موسى ، عليه السلام ، من الجلالة والعظمة والبهاء في صورة يبهر أبصار ذوي [ الأبصار و] الألباب . وقوله:( مهين ) كذب ، بل هو المهين الحقير خلقة وخلقا ودينا . وموسى [ عليه السلام] هو الشريف الرئيس الصادق البار الراشد . وقوله:( ولا يكاد يبين ) افتراء أيضا ، فإنه وإن كان قد أصاب لسانه في حال صغره شيء من جهة تلك الجمرة ، فقد سأل الله ، عز وجل ، أن يحل عقدة من لسانه ؛ ليفقهوا قوله ، وقد استجاب الله له في [ ذلك في] قوله:( قال قد أوتيت سؤلك ياموسى ) [ طه:26] ، وبتقدير أن يكون قد بقي شيء لم يسأل إزالته ، كما قاله الحسن البصري ، وإنما سأل زوال ما يحصل معه الإبلاغ والإفهام ، فالأشياء الخلقية التي ليست من فعل العبد لا يعاب بها ولا يذم عليها ، وفرعون وإن كان يفهم وله عقل فهو يدري هذا ، وإنما أراد الترويج على رعيته ، فإنهم كانوا جهلة أغبياء ،