قال عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال:لما أنزل الله:( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن ) و إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ) الآية [ النساء:10] ، فانطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه ، فجعل يفضل الشيء فيحبس له حتى يأكله ويفسد . فاشتد ذلك عليهم ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل:( ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم ) [ البقرة:220] ، قال:فخلطوا طعامهم بطعامهم ، وشرابهم بشرابهم . رواه أبو داود .
وقوله:( حتى يبلغ أشده ) قال الشعبي ، ومالك ، وغير واحد من السلف:يعني:حتى يحتلم .
وقال السدي:حتى يبلغ ثلاثين سنة ، وقيل:أربعون سنة ، وقيل:ستون سنة . قال:وهذا كله بعيد هاهنا ، والله أعلم .
وقوله:( وأوفوا الكيل والميزان بالقسط ) يأمر تعالى بإقامة العدل في الأخذ والإعطاء ، كما توعد على تركه في قوله تعالى:( ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين ) [ المطففين:1 - 6] . وقد أهلك الله أمة من الأمم كانوا يبخسون المكيال والميزان .
وفي كتاب الجامع لأبي عيسى الترمذي ، من حديث الحسين بن قيس أبي علي الرحبي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحاب الكيل والميزان:"إنكم وليتم أمرا هلكت فيه الأمم السالفة قبلكم . ثم قال:لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث الحسين ، وهو ضعيف في الحديث ، وقد روي بإسناد صحيح عن ابن عباس موقوفا .
قلت:وقد رواه ابن مردويه في تفسيره ، من حديث شريك ، عن الأعمش ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن ابن عباس قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:إنكم معشر الموالي قد بشركم الله بخصلتين بها هلكت القرون المتقدمة:المكيال والميزان .
وقوله تعالى:( لا نكلف نفسا إلا وسعها ) أي:من اجتهد في أداء الحق وأخذه ، فإن أخطأ بعد استفراغ وسعه وبذل جهده فلا حرج عليه .
وقد روى ابن مردويه من حديث بقية ، عن مبشر بن عبيد ، عن عمرو بن ميمون بن مهران ، عن أبيه ، عن سعيد بن المسيب قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها ) فقال:"من أوفى على يده في الكيل والميزان ، والله يعلم صحة نيته بالوفاء فيهما ، لم يؤاخذ "وذلك تأويل ( وسعها ) هذا مرسل غريب .
وقوله:( وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى ) كما قال تعالى:( ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم ) [ المائدة:8] ، وكذا التي تشبهها في سورة النساء [ الآية:135] ، يأمر تعالى بالعدل في الفعال والمقال ، على القريب والبعيد ، والله تعالى يأمر بالعدل لكل أحد ، في كل وقت ، وفي كل حال .
وقوله:( وبعهد الله أوفوا ) قال ابن جرير:يقول وبوصية الله التي أوصاكم بها فأوفوا . وإيفاء ذلك:أن تطيعوه فيما أمركم ونهاكم ، وتعملوا بكتابه وسنة رسوله ، وذلك هو الوفاء بعهد الله .
ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون ) يقول تعالى:هذا وصاكم به ، وأمركم به ، وأكد عليكم فيه ( لعلكم تذكرون ) أي:تتعظون وتنتهون عما كنتم فيه قبل هذا ، وقرأ بعضهم بتشديد "الذال "، وآخرون بتخفيفها .