يقول تعالى ذكره:أم أمنتم أيها القوم من ربكم ، وقد كفرتم به بعد إنعامه عليكم، النعمة التي قد علمتم أن يعيدكم في البحر تارة أخرى:يقول:مرّة أخرى، والهاء التي في قوله "فيه "من ذكر البحر.
كما حدثنا بشر، قال:ثنا يزيد، قال:ثنا سعيد، عن قتادة ( أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى ):أي في البحر مرّة أخرى ( فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ ) وهي التي تقصف ما مرّت به فتحطمه وتدقه، من قولهم:قصف فلان ظهر فلان:إذا كسره ( فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ) يقول:فيغرقكم الله بهذه الريح القاصف بما كفرتم، يقول:بكفركم به ( ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا ) يقول:ثم لا تجدوا لكم علينا تابعا يتبعنا بما فعلنا بكم، ولا ثائرا يثأرنا بإهلاكنا إياكم، وقيل:تبيعا في موضع التابع، كما قيل:عليم في موضع عالم. والعرب تقول لكل طالب بدم أو دينأو غيره:تبيع. ومنه قول الشاعر:
عَــدَوْا وَعَــدَتْ غـزلانهم فَكأنَّهَـا
ضَــوَامنُ غُــرمٍ لَــزّهُنَّ تَبِيــعُ (3)
وبنحو الذي قلنا في القاصف والتبيع، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ بن داود، قال:ثنا عبد الله، قال:ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ ) يقول:عاصفا.
حدثنا القاسم، قال:ثنا الحسين، قال:ثني حجاج، عن ابن جريج، قال:قال ابن عباس:قاصفا التي تُغْرق.
حدثني عليّ، قال:ثنا عبد الله، قال:ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله ( ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا ) يقول نصيرا.
حدثني محمد بن عمرو ، قال:ثنا أبو عاصم، قال:ثنا عيسى؛ وحدثني الحرث، قال:ثنا الحسن، قال:ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال محمد:ثائرا، وقال الحرث:نصيرا ثائرا.
حدثنا القاسم، قال:ثنا الحسين، قال:ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد ( ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا ) قال:ثائرا.
حدثنا بشر ، قال:ثنا يزيد، قال:ثنا سعيد، عن قتادة ( ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا ) أي لا نخاف أن نتبع بشيء من ذلك.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال:ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة ( ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا ) يقول:لا يتبعنا أحد بشيء من ذلك، والتارة:جمعه تارات وتير، وأفعلت منه:أترت.
----------------------------
الهوامش:
(3) البيت:شاهد على أن معنى التبيع في الآية:كل طالب بدم أو دين أو غيره. قال أبو عبيدة في مجاز القرآن (1:385) أي من يتبعنا لكم تبيعة، ولا طالبا لنا بها. وفي (اللسان:تبع):والتبيع التابع، وقول القرآن "ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا":قال الفراء:أي ثائرا ولا طالبا بالثأر، لإغراقنا إياكم. وقال الزجاج:معناه:لا تجدوا من يتبعنا بإنكار ما نزل بكم، ولا من يتبعنا بأن يصرفه عنكم. وقيل:تبيعا:مطالبا. ومنه قوله تعالى:"فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان"يقول:على صاحب الدم اتباع بالمعروف، أي المطالبة بالدية، وعلى المطالب أداء إليه بإحسان.