حدثنا الحسن، قال:أخبرنا عبد الرزاق، قال:أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله ( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) قال:رحمة من عندنا.
حدثنا القاسم، قال:ثنا الحسين، قال:ثنا هشيم، قال:أخبرنا جويبر، عن الضحاك، قوله ( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) قال:رحمة من عندنا لا يملك عطاءها غيرنا.
حُدثت عن الحسين بن الفرج، قال:سمعت أبا معاذ، قال:أخبرنا عبيد بن سليمان، قال:سمعت الضحاك يقول في قوله ( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) يقول:رحمة من عندنا، لا يقدر على أن يعطيها أحد غيرنا.
وقال آخرون:بل معنى ذلك:ورحمة من عندنا لزكريا ، آتيناه الحكم صبيا، وفعلنا به الذي فعلنا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال:ثنا يزيد، قال:ثنا سعيد، عن قتادة، قوله ( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) يقول:رحمة من عندنا.
وقال آخرون:معنى ذلك:وتعطفا من عندنا عليه، فعلنا ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال:ثنا أبو عاصم، قال:ثنا عيسى ; وحدثني الحارث، قال:ثنا الحسن قال:ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله ( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) قال:تعطفا من ربه عليه.
حدثنا القاسم، قال:ثنا الحسين، قال:ثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد ، مثله.
وقال آخرون:بل معنى الحنان:المحبة. ووجهوا معنى الكلام إلى:ومحبة من عندنا فعلنا ذلك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال:ثنا حكام، عن عنبسة، عن يحيى بن سعيد، عن عكرمة ( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) قال:محبة عليه.
حدثني يونس، قال:أخبرنا ابن وهب، قال:قال ابن زيد، في قوله (وَحَنانا) قال:أما الحنان فالمحبة.
وقال آخرون معناه تعظيما منا له.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال:ثنا الحسين، قال:ثنا أبو تميلة، عن أبي حمزة، عن جابر، عن عطاء بن أبي رباح ( وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا ) قال:تعظيما من لدنا. وقد ذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:لا أدري ما الحنان.
حدثنا القاسم، قال:ثنا الحسين، قال:ثني حجاج، عن ابن جريج، قال:أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة، عن ابن عباس، قال:والله ما أدري ما حنانا.
وللعرب في حَنَانَك لغتان:حَنَانَك يا ربنا، وحَنانَيك; كما قال طَرَفة بن العبد في حنانيك:
أبـا مُنْـذِرٍ أفْنَيْـتَ فاسْـتَبْقِ بَعْضَنـا
حَنـانَيْكَ بعـضُ الشَّرِّ أهْوَنُ مِن بعضِ (1)
وقال امرؤ القيس في اللغة الأخرى:
ويَمْنَحُهــا بَنُـو شَـمَجَى بـن جَـرْمٍ
مَعِـــيزَهُمُ حَنـــانَكَ ذَا الحَنــانِ (2)
وقد اختلف أهل العربية في "حنانيك "فقال بعضهم:هو تثنية "حنان ". وقال آخرون:بل هي لغة ليست بتثنية; قالوا:وذلك كقولهم:حَوَاليك; وكما قال الشاعر:
ضَرْبا هَذَا ذَيْكَ وطَعْنا وَخْضًا (3)
وقد سوّى بين جميع ذلك الذين قالوا حنانيك تثنية، في أن كل ذلك تثنية. وأصل ذلك أعني الحنان، من قول القائل:حنّ فلان إلى كذا وذلك إذا ارتاح إليه واشتاق، ثم يقال:تحنَّنَ فلان على فلان، إذا وصف بالتعطُّف عليه والرقة به، والرحمة له، كما قال الشاعر:
تَحَــنّنْ عَــليَّ هَــدَاكَ المَلِيــكُ
فـــإنَّ لِكُـــلّ مَقــامٍ مَقــالا (4)
بمعنى:تعطَّف عليّ. فالحنان:مصدر من قول القائل:حنّ فلان على فلان، يقال منه:حننت عليه، فأنا أحنّ عليه حنينا وحنانا، ومن ذلك قيل لزوجة الرجل:حَنَّته، لتحنته عليها وتعطفه، كما قال الراجز:
وَلَيْلَـــةٍ ذَاتِ دُجًـــى سَــرَيْتُ
ولَــمْ تَضِــرْنِي حَنَّــةٌ وَبيْــتُ (5)
وقوله:(وَزَكاةً) يقول تعالى ذكره:وآتينا يحيى الحكم صبيا، وزكاة:وهو الطهارة من الذنوب، واستعمال بدنه في طاعة ربه، فالزكاة عطف على الحكم من قوله ( وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ ).
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال:ثنا يزيد، قال:ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:(وَزَكاةً) قال:الزكاة:العمل الصالح.
حدثنا القاسم، قال:ثنا الحسين، قال:ثني حجاج، عن ابن جريج، قوله (وَزَكاةً) قال:الزكاة:العمل الصالح الزكيّ.
حُدثت عن الحسين ، قال:سمعت أبا معاذ يقول:أخبرنا عبيد بن سليمان، قال:سمعت الضحاك يقول:في قوله (وَزَكاةً) يعني العمل الصالح الزاكي.
وقوله (وكانَ تَقِيًّا) يقول تعالى ذكره:وكان لله خائفا مؤدّيا فرائضه، مجتنبا محارمه مسارعا في طاعته.
كما:حدثني محمد بن سعد، قال:ثني أبي، قال:ثني عمي، قال:ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس ( وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا ) قال:طهر فلم يعمل بذنب.
حدثني يونس، قال:خبرنا ابن وهب، قال:قال ابن زيد، في قوله ( وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا ) قال:أما الزكاة والتقوى فقد عرفهما الناس.
-------------------------------
الهوامش:
(1) البيت لطرفة بن العبد البكري ( اللسان:حنن ) . والشاهد في قوله حنانيك ، أي تحننا على تحنن . وحكى الأزهري عن الليث:حنانيك يا فلان افعل كذا ، ولا تفعل كذا ، يذكره الرحمة والبر ، وأنشد بيت طرفة . قال ابن سيده:وقد قالوا حنانا ، فصلوه من الإضافة في الإفراد ، وكل ذلك بدل من اللفظ بالفعل .
(2) البيت لامرئ القيس بن حجر ( اللسان:حنن ) و ( مختار الشعر الجاهلي ، بشرح مصطفى السقا طبعة الحلبي ص 110 ) قال شارحه ويمنحها:هذه رواية الأصمعي أي يعطيها ويروى:ويمنعها ، وهي أشبه بمعنى البيت . وقوله:حنانك ذا الحنان ، فسره ابن الأعرابي:رحمتك يا رحمن ، فأغنى عنهم . وعلى أية حال . فالشاعر برم بمجاورة بني شمجي بن جرم ، متسخط فعلهم ، زار عليهم ، إذا منعوه المعزى . فأما إذا منحوه إياها ( على رواية الأصمعي ) فإنه يكون ساخطا ، لاضطراره إلى أن يقبل منح أمثالهم مع ما له من الشرف والعراقة في الملك ؛ كأنه يقول في نفسه:أبعد ما كان لنا من العز الشامخ تذل نفسي وتضطر إلى قبول المنح والصلات من الناس . وفي اللسان:فرواية الأعرابي تسخط وذم ، وذلك تفسيره ؛ ورواية الأصمعي:تشكر وحمد ودعاء لهم ، وكذلك تفسيره .
(3) البيت في ( اللسان:هذذ ) غير منسوب . قال:الهذ و الهذذ:سرعة القطع وسرعة القراءة . قال:ضربا هذا ذيك:أي هذا بعد هذ ، يعني قطعا بعد قطع . وعلى هذا استشهد به المؤلف . . والوخض:قال الأصمعي:إذا خالطت الطعنة الجوف ولم تنفذ ، فذلك الوخض والوخط أه . يقال:وخضه بالرمح وخضا .
(4) البيت للحطيئة ( لسان العرب:حنن ) . قال:وتحنن عليه:ترحم ، وأنشد ابن بر الحطيئة:تحنن علي . . . البيت .
(5) هذان بيتان من مشطور الرجز ، لأبي محمد الفقعسي ، وبينهما بيت ثالث ، وهو قوله * ولـم يلتنـي عـن سـراها ليت *
( اللسان:حنن ) . وقد استشهد بالبيتين الأولين منهما صاحب اللسان في ( ليت ) . واستشهد بهما المؤلف في الجزء الخامس عشر عند تفسير قوله تعالى:( سبحان الذي أسرى بعبده ) وموضع الشاهد هنا في البيت الثالث وهو قوله:"حنة ". قال:وحنة الرجل:امرأته ، قال أبو محمد الفقعسي:"وليلة ". . . . إلخ . الأبيات الثلاثة . قال:وهي طلته وكنيته ونهضته وحاصنته وحاضنته .