{وَحَنَانًا}: العطف والرحمة .
وهذا ما يريده الله لعباده ،في ما يعدّه لهم من مواقع الكرامة ،ومنطلقات الهداية بالأسباب المألوفة أو غير المألوفة .ولم تكن معرفة يحيى للحكم هي كل ما كان يملكه هذا العبد الصالح الداعية ،بل كانت شخصيته جامعة لكل صفات الكمال ،{وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا} بما أفاضه الله عليه من روحية الحنان الإلهي الذي يغمر قلبه بالخير والرحمة ،فينسكب على حياة الناس رأفةً ،وعطفاً ،ورحمةً ،ومحبة ،فلا يعنف بهم ،ولا يقسو عليهم ،ولا يحملهم ما لا يطيقون ،في ما يحملهم من مسؤوليات ،ويدعوهم إليه من قضايا ،ويقودهم إليه من مواقف ...ولعل هذا أقرب إلى الفهم في موقعه الرسالي الذي تلتقي فيه الرسالة بالحكم .وربما فسره بعضهم بأنه نوع عطفٍ وانجذابٍ خاصٍ إلهيّ بينه وبين ربه غير مألوف ،وذلك نظراً إلى تقييد الحنان بقوله{مِّن لَّدُنَّا} ،إذ إنها تستعمل في ما لا مجرى أو نظر فيه بالنسبة للأسباب الطبيعية العادية .
ولكننا لا نجد في الكلمة مثل هذا الإيحاء ،بل يكفي في صحة النسبة إلى الله أن يكون العمل صادراً منه بإرادته بشكل أو بآخر ،وربما تكون دلالتها على جانب الرعاية منه أكثر من دلالتها على الجانب غير العادي من ذلك .والله العالم .
{وَزَكَاةً} في ما يتكامل فيه من عناصر النموّ والبركة والطهارة ،أو في ما يغدقه على الناس من ذلك كله .
{وَكَانَ تَقِيًّا} يعيش الخوف من الله والإحساس بمراقبته ،والالتزام بأوامره ونواهيه ،في ما تحمله التقوى من وعي الخط الرسالي ،وإصرار على تحريك الموقف ضمن ذاك الخط .وبذلك كان دوره دور القدوة التي توجه الناس بالممارسة ،كما توجههم بالدعوة .