وقوله ( وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك, فقرأته عامة قرّاء المدينة والكوفة ( وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ) على التوحيد, بمعنى:هذا حميم وغساق فليذوقوه, وعذاب آخر من نحو الحميم ألوان وأنواع, كما يقال:لك عذاب من فلان:ضروب وأنواع; وقد يحتمل أن يكون مرادًا بالأزواج الخبر عن الحميم والغساق, وآخر من شكله, وذلك ثلاثة, فقيل أزواج, يراد أن ينعت بالأزواج تلك الأشياء الثلاثة. وقرأ ذلك بعض المكيين وبعض البصريين:"وأخَرُ"على الجماع, وكأن من قرأ ذلك كذلك كان عنده لا يصلح أن يكون الأزواج وهي جمع نَعْتا لواحد, فلذلك جمع أخر, لتكون الأزواج نعتا لها; والعرب لا تمنع أن ينعَت الاسم إذا كان فعلا بالكثير والقليل والاثنين كما بيَّنا, فتقول:عذاب فلان أنواع, ونوعان مختلفان.
وأعجب القراءتين إليَّ أن أقرأ بها:( وآخَرُ) على التوحيد, وإن كانت الأخرى صحيحة لاستفاضة القراءة بها في قرّاء الأمصار; وإنما اخترنا التوحيد لأنه أصحّ مخرجا في العربية, وأنه في التفسير بمعنى التوحيد. وقيل إنه الزَّمهرير.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار, قال:ثنا عبد الرحمن, قال:ثنا سفيان, عن السديّ, عن مُرّة, عن عبد الله ( وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ) قال الزمهرير.
حدثنا ابن بشار, قال:ثنا يحيى, قال:ثنا سفيان, عن السديّ, عن مرة, عن عبد الله, بمثله.
حدثنا أبو كُرَيب, قال:ثنا معاوية, عن سفيان, عن السديّ, عمن أخبره عن عبد الله بمثله, إلا أنه قال:عذاب الزمهرير.
حدثنا محمد قال:ثنا أحمد, قال:ثنا أسباط, عن السديّ, عن مرّة الهمداني, عن عبد الله بن مسعود, قال:هو الزمهرير.
حُدثت عن يحيى بن أبي زائدة, عن مبارك بن فضالة, عن الحسن, قال:ذكر الله العذاب, فذكر السلاسل والأغلال, وما يكون في الدنيا, ثم قال:( وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ) قال:وآخر لم ير في الدنيا.
وأما قوله ( مِنْ شَكْلِهِ ) فإن معناه:من ضربه, ونحوه يقول الرجل للرجل:ما أنت من شكلي, بمعنى:ما أنت من ضربي بفتح الشين. وأما الشِّكْل فإنه من المرأة ما عَلَّقَتْ مما تتحسن به, وهو الدَّلُّ أيضا منها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ, قال:ثنا أبو صالح, قال:ثني معاوية, عن عليّ, عن ابن عباس, قوله ( وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ) يقول:من نحوه.
حدثنا بشر, قال:ثنا يزيد, قال:ثنا سعيد, عن قتادة ( وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ) من نحوه.
حدثني يونس, قال:أخبرنا ابن وهب, قال:قال ابن زيد, في قوله ( وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ) قال:من كُلّ شَكْلٍ ذلك العذاب الذي سمى الله, أزواج لم يسمها الله, قال:والشَّكل:الشبيه.
وقوله ( أَزْوَاجٌ ) يعني:ألوان وأنواع.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب, قال:ثنا ابن عُلَية, عن أبي رجاء, عن الحسن, في قوله ( وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ ) قال:ألوان من العذاب.
حدثنا بشر, قال:ثنا يزيد, قال:ثنا سعيد, عن قتادة ( أَزْوَاجٌ ) زوج زوج من العذاب.
حدثني يونس, قال:أخبرنا ابن وهب, قال:قال ابن زيد, في قوله ( أَزْوَاجٌ ) قال:أزواج من العذاب في النار.