وقوله:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ ) يقول لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم ألم تر يا محمد هؤلاء المشركين من قومك, الذين يخاصمونك في حجج الله وآياته ( أَنَّى يُصْرَفُونَ ) يقول:أيّ وجه يصرفون عن الحق, ويعدلون عن الرشد.
كما حدثنا بشر, قال:ثنا يزيد, قال:ثنا سعيد, عن قتادة ( أَنَّى يُصْرَفُونَ ):أنى يكذبون ويعدلون.
حدثني يونس, قال:أخبرنا ابن وهب, قال:قال ابن زيد, في قوله:( أَنَّى يُصْرَفُونَ ) قال:يُصْرَفون عن الحقّ.
واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بهذه الآية, فقال بعضهم:عنى بها أهل القدر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى, قالا ثنا مؤمل, قال:ثنا سفيان, عن داود بن أبي هند. عن محمد بن سيرين, قال:إن لم تكن هذه الآية نـزلت في القدرية, فإني لا أدري فيمن نـزلت:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ ) إلى قوله:لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ.
حدثني عليّ بن سهل, قال:ثنا زيد بن أبي الزرقاء, عن سفيان, عن داود بن أبي هند, عن ابن سيرين, قال:إن لم يكن أهل القدر الذين يخوضون في آيات الله فلا علم لنا به.
حدثني يونس, قال:أخبرنا ابن وهب, قال:أخبرني مالك بن أبي الخير الزيادي, عن أبي قبيل, قال:أخبرني عقبة بن عامر الجهني, أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال:"سَيَهْلِكُ مِنْ أُمَّتِي أهْلُ الكِتَابِ, وأهْلُ اللِّينِ"فقال عقبة:يا رسول الله, وما أهل الكتاب؟ قال:"قَوْمٌ يَتَعَلَّمُونَ كِتابَ الله يُجادلُونَ الَّذينَ آمَنُوا ",فقال عقبة:يا رسول الله, وما أهل اللين؟ قال:"قَوْمٌ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ, ويُضَيِّعُونَ الصَّلَوَاتِ". قال أبو قبيل:لا أحسب المكذّبين بالقدر إلا الذين يجادلون الذين آمنوا, وأما أهل اللين, فلا أحسبهم إلا أهل العمود (1) ليس عليهم إمام جماعة, ولا يعرفون شهر رمضان.
وقال آخرون:بل عنى به أهل الشرك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس, قال:أخبرنا ابن وهب, قال:قال ابن زيد, في قوله:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ ) قال:هؤلاء المشركون.
والصواب من القول في ذلك ما قاله ابن زيد; وقد بين الله حقيقة ذلك بقوله:الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا.
------------------------
الهوامش:
(1) كذا في الأصل ، ولم أجد معنى للعمود في النهاية لابن الأثير ، ولعله محرف عن ( العمور) بضم العين ، جمع عمر ، بفتح فسكون وبضمتين ، وهو من النخيل ، وهو الحسوق الطويل . يريد أصحاب هذه النخل الملازمين لها ، يجادلون في الدين ، بلا علم ولا فقه .