وقوله ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ ) اختلف أهل التأويل في التسبيح الذي أمر به من الليل, فقال بعضهم:عني به صلاة العَتمة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس, قال:أخبرنا ابن وهب, قال:قال ابن زيد, في قوله ( وَمِنَ اللَّيْلِ ) قال:العَتَمة وقال آخرون:هي الصلاة بالليل في أيّ وقت صلى.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمارة الأسدي, قال:ثنا عبيد الله بن موسى, قال:أخبرنا إسرائيل, عن أبي يحيى, عن مجاهد ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ ) قال:من الليل كله.
والقول الذي قاله مجاهد في ذلك أقرب إلى الصواب, وذلك أن الله جلّ ثناؤه قال ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ ) فلم يَحُدَّ وقتا من الليل دون وقت. وإذا كان ذلك كذلك كان على جميع ساعات الليل. وإذا كان الأمر في ذلك على ما وصفنا, فهو بأن يكون أمرا بصلاة المغرب والعشاء, أشبه منه بأن يكون أمرا بصلاة العَتَمة, لأنهما يصلَّيان ليلا.
وقوله ( وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ) يقول:سبح بحمد ربك أدبار السجود من صلاتك.
واختلف أهل التأويل في معنى التسبيح الذي أمر الله نبيه أن يسبحه أدبار السجود, فقال بعضهم:عُنِي به الصلاة, قالوا:وهما الركعتان اللتان يصليان بعد صلاة المغرب.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حُمَيد, قال:ثنا حكام, قال:ثنا عنبسة, عن أبي إسحاق, عن الحارث, قال:سألت عليا, عن أديار السجود, فقال:الركعتان بعد المغرب.
حدثني يعقوب, قال:ثنا ابن عُلَية, قال:ثنا ابن جُرَيج, عن مجاهد, قال:قال عليّ رضي الله عنه ( أَدْبَارَ السُّجُودِ ):الركعتان بعد المغرب.
حدثنا أبو كُرَيب، قال:ثنا مصعب بن سلام, عن الأجلح, عن أبي إسحاق, عن الحارث. قال:سمعت عليا رضي الله عنه يقول ( أَدْبَارَ السُّجُودِ ):الركعتان بعد المغرب.
حدثنا ابن بشار, قال:ثنا أبو عاصم, قال:ثنا سفيان, عن أبي إسحاق, عن الحارث, عن عليّ رضي الله عنه , في قوله ( وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ) قال:الركعتان بعد المغرب.
قال:ثنا يحيى, قال:ثنا سفيان, عن أبي إسحاق, عن الحارث, عن عاصم بن ضمرة, عن الحسن بن عليّ رضي الله عنهما, قال ( أَدْبَارَ السُّجُودِ ):الركعتان بعد المغرب.
حدثني عليّ بن سهل, قال:ثنا مؤمل, قال:ثنا حماد, قال:ثنا عليّ بن زيد, عن أوس بن خالد, عن أبي هريرة, قال:أدبار السجود:ركعتان بعد صلاة المغرب.
حدثنا ابن بشار, قال:ثنا عبد الرحمن, قال:ثنا سفيان, عن علوان بن أبي مالك, عن الشعبيّ, قال:( أَدْبَارَ السُّجُودِ ) الركعتان بعد المغرب.
حدثنا ابن حُمَيد, قال:ثنا مهران, عن سفيان, عن جابر, عن عكرِمة, عن ابن عباس وإبراهيم بن مهاجر, عن مجاهد ( أَدْبَارَ السُّجُودِ ):الركعتان بعد المغرب.
حدثنا ابن بشار, قال:ثنا عبد الرحمن, قال:ثنا سفيان, عن إبراهيم بن مهاجر, عن إبراهيم, مثله.
حدثنا ابن المثنى. قال:ثنا محمد بن جعفر, قال:ثنا شعبة, عن إبراهيم بن مهاجر, عن إبراهيم في هذه الآية ( وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ) -وَإِدْبَارَ النُّجُومِقال:الركعتان قبل الصبح, والركعتان بعد المغرب, قال شعبة:لا أدري أيتهما أدبار السجود, ولا أدري أيتهما إدبار النجوم.
حدثني محمد بن عمرو, قال:ثنا أبو عاصم, قال:ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال:ثنا الحسن, قال:ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله ( وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ) قال:كان مجاهد يقول:ركعتان بعد المغرب.
حدثني محمد بن سعد, قال:ثني أبي, قال:ثني عمي, قال:ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, قوله ( وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ) قال:هما السجدتان بعد صلاة المغرب.
حدثنا أبو كُرَيب, قال:ثنا أبو فضيل, عن رشدين بن كُرَيب, عن أبيه, عن ابن عباس, قال:قال لي رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:"يا ابْنَ عَبَّاس رَكْعَتانِ بَعْدَ المَغْرِب أدْبارَ السُّجُود ".
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم, قال:أخبرنا أبو زرعة, وهبة الله بن راشد, قال:أخبرنا حيوة بن شريح, قال:أخبرنا أبو صخر, أنه سمع أبا معاوية البجلي من أهل الكوفة يقول:سمعت أبا الصهباء البكريّ يقول:سألت عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه عن ( أَدْبَارَ السُّجُودِ ) قال:هما ركعتان بعد المغرب.
حدثني سعيد بن عمرو السكوني, قال:ثنا بقية, قال:ثنا جرير, قال:ثنا حمير بن يزيد الرحبي, عن كُرَيب بن يزيد الرحبي; قال:وكان جبير بن نفير يمشي إليه, قال:كان إذا صلى الركعتين قبل الفجر, والركعتين بعد المغرب أخفّ, وفسَّر إدبار النجوم, وأدبار السجود.
حدثنا ابن حُمَيد, قال:ثنا مهران, عن عيسى بن يزيد, عن أبي إسحاق الهمداني, عن الحسن ( وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ):الركعتان بعد المغرب.
حدثنا ابن حُمَيد, قال:ثنا حكام, قال:ثنا عنبسة, عن المُغيرة, عن إبراهيم, قال:كان يقال ( أَدْبَارَ السُّجُودِ ):الركعتان بعد المغرب.
قال:ثنا عنبسة, عن إبراهيم بن مهاجر, عن مجاهد ( وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ):الركعتان بعد المغرب.
قال:ثنا جرير, عن عطاء, قال:قال عليّ:أدبار السجود:الركعتان بعد المغرب.
حدثنا ابن البرّ, قال:ثنا عمرو بن أبي سلمة, قال:سُئل الأوزاعيّ عن الركعتين بعد المغرب, قال:هما في كتاب الله ( فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ).
حدثنا ابن بشار, قال:ثنا ابن أبي عديّ, عن حُمَيد, عن الحسن, عن عليّ رضي الله عنه في قوله ( وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ) قال:الركعتان بعد المغرب.
حدثنا ابن عبد الأعلى, قال:ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة ( وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ) قال:ركعتان بعد المغرب.
وقال آخرون:عنى بقوله ( وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ):التسبيح في أدبار الصلوات المكتوبات, دون الصلاة بعدها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم, قال:ثنا ابن علية, قال:ثنا ابن أبي نجيح, عن مجاهد, قال:قال ابن عباس في ( فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ) قال:هو التسبيح بعد الصلاة.
حدثني محمد بن عمرو, قال:ثنا أبو عاصم, قال:ثنا عيسى; وحدثني الحارث, قال:ثنا الحسن, قال:ثنا ورقاء جميعا, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله ( وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ) قال:كان ابن عباس يقول:التسبيح. قال ابن عمرو:في حديثه في إثر الصلوات كلها. وقال الحارث في حديثه في دُبر الصلاة كلها.
وقال آخرون:هي النوافل في أدبار المكتوبات.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر, قال:ثنا يونس بن عبد الأعلى, قال:أخبرنا ابن وهب, قال:قال ابن زيد, في قوله ( وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ):النوافل.
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة, قول من قال:هما الركعتان بعد المغرب, لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك, ولولا ما ذكرت من إجماعها عليه, لرأيت أن القول في ذلك ما قاله ابن زيد, لأن الله جلّ ثناؤه لم يخصص بذلك صلاة دون صلاة, بل عمّ أدبار الصلوات كلها, فقال:وأدبار السجود, ولم تقم بأنه معنيّ به:دبر صلاة دون صلاة, حجة يجب التسليم لها من خبر ولا عقل.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله ( وَأَدْبَارَ السُّجُودِ ) فقرأته عامة قرّاء الحجاز والكوفة, سوى عاصم والكسائي ( وإدْبارِ السُّجُودِ ) بكسر الألف, على أنه مصدر أدبر يُدبر إدبارا. وقرأه عاصم والكسائي وأبو عمرو ( وأدْبارَ ) بفتح الألف على مذهب جمع دبر وأدبار.
والصواب عندي الفتح على جمع دبر.