وكذلك: ( ومن الليل فسبّحه وأدبار السجود ) .
فهذا الذكر والتسبيح والمستمر ينصبّ على صعيد قلبك كانصباب الغيث على الأرض ليهبها الحياة ويسقيها الرواء ،فالتسبيح أيضاً يُلهم قلبك النشاط والاستقامة بوجه الأعداء المعاندين .
وهناك أقوال مختلفة بين المفسّرين في المراد من «التسبيح » في الأوقات الأربعة «قبل طلوع الشمس وبعد الغروب ومن الليل وأدبار السجود !» .
فبعضهم يعتقد أنّ المراد من هذه التعبيرات هو الصلوات الخمس اليومية ..
وبعضاً من النوافل الفضلى على الترتيب والنحو التالي .
ف ( قبل طلوع الشمس ) إشارة إلى صلاة الصبح ،لأنّ في آخر وقتها تطلع الشمس فينبغي أداؤها قبل طلوع الشمس .
وقبل الغروب إشارة إلى صلاتي الظهر والعصر لأنّ الشمس تغرب آخر وقتيهما .
أمّا قوله: ( ومن الليل ) فيشير إلى صلاتي المغرب والعشاء وقوله: ( وأدبار السجود ) ناظر إلى النوافل بعد صلاة المغرب ،وقال ابن عبّاس بهذا التّفسيرمع هذا القيدوهو أنّ المراد من إدبار السجود هو جميع النوافل التي تؤدّى بعد الفرائض ولكن حيث أنّا نعتقد بأنّ ما يؤدّى من النوافل اليومية بعد الفرائض هما نافلة المغرب ونافلة العشاء فحسب ،فلا يصحّ هذا التعميم آنفاً .
كما فسّر بعضهم قوله «قبل طلوع الشمس » بصلاة الصبح ،«وقبل الغروب » بصلاة العصر ،«ومن الليل فسبّحه » بصلاتي المغرب والعشاء ،فلم يذكروا شيئاً عن صلاة الظهر هنا ،وهذا دليل على ضعف هذا التّفسير .
ونقرأ في بعض الرّوايات المنقولة عن الإمام الصادق أنّه حين سئل عن الآية: ( وسبّح بحمد ربّك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ) ..قال ( عليه السلام ): «تقول حين تصبح وتمسي عشر مرّات لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كلّ شيء قدير »{[4673]} .
ولا يتنافى هذا التّفسير مع التّفسير الأوّل ويمكن أن يجتمعا في الآية معاً .
وممّا ينبغي الالتفات إليه هو ورود نظير هذا المعنى باختلاف يسير في الآية ( 130 ) من سورة طه أيضاً إذ تقول الآية: ( وسبّح بحمد ربّك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبّح وأطراف النهار لعلّك ترضى ) .
جملة «لعلّك ترضى »تدلّ على أنّ لهذا التسبيح والذكر في هذه الأوقات أثراً مهمّاً في اطمئنان القلب ورضا الخاطر ،إذ يمنح القلب قوّة وشدّة بوجه الحوادث .
وهناك لطيفة تسترعي النظر وهي أنّ الآية ( 49 ) من سورة الطور تقول هكذا: ( ومن الليل فسبّحه وأدبار النجوم ){[4674]} .
وقد ورد في حديث عن الإمام علي ( عليه السلام ) أنّه قال: «المراد ب ( أدبار السجود )ركعتا نافلة تؤدّيان بعد صلاة المغرب «ينبغي الالتفات إلى أنّ نافلة المغرب أربع ركعات وقد أشير إلى اثنين منهما هنا فحسب » وإدبار النجوم ركعتا نافلة الصبح إذ تؤدّيان عند غروب النجوم وتفرّقها وقبل صلاة الصبح »{[4675]} .
كما ورد في رواية اُخرى أنّ المراد من «أدبار السجود » هو نافلة الوتر التي تؤدّى آخر الليل{[4676]} .
وعلى كلّ حال فإنّ التّفسير الأوّل أقرب من الجميع وأكثر تناسباً وإن كان مفهوم التسبيح وسعته شاملا لكثير من التفاسير المشار إليها في الرّوايات آنفاً .
/خ40