وقوله:(وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ ) يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل هؤلاء النفر:وأنه كان رجال من الإنس يستجيرون برجال من الجن في أسفارهم إذا نـزلوا منازلهم.
وكان ذلك من فعلهم فيما ذكر لنا، كالذي حدثني محمد بن سعد، قال:ثني أبي، قال:ثني عمي، قال:ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله:(وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ ) قال:كان رجال من الإنس يبيت أحدهم بالوادي في الجاهلية فيقول:أعوذ بعزيز هذا الوادي، فزادهم ذلك إثما.
حدثنا الحسن بن عرفة، قال:ثنا هشيم، عن عوف، عن الحسن، في قوله:(وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ ) قال:كان الرجل منهم إذا نـزل الوادي فبات به، قال:أعوذ بعزيز هذا الوادي من شرّ سفهاء قومه.
حدثنا ابن حميد، قال:ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم في قوله:(وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ ) كانوا إذا نـزلوا الوادي قالوا:نعوذ بسيد هذا الوادي من شرّ ما فيه، فتقول الجنّ:ما نملك لكم ولا لأنفسنا ضرّا ولا نفعا.
قال:ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، في قوله:(وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ ) قال:كانوا في الجاهلية إذا نـزلوا بالوادي قالوا:نعوذ بسيد هذا الوادي، فيقول الجنيون:تتعوّذون بنا ولا نملك لأنفسنا ضرّا ولا نفعا!
حدثني محمد بن عمرو، قال:ثنا أبو عاصم، قال:ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال:ثنا الحسن، قال:ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله:(يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ ) قال:كانوا يقولون إذا هبطوا واديا:نعوذ بعظماء هذا الوادي.
حدثنا بشر، قال:ثنا يزيد، قال:ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:(وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ ) ذُكر لنا أن هذا الحيّ من العرب كانوا إذا نـزلوا بواد قالوا:نعوذ بأعز أهل هذا المكان؛ قال الله:(فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ):أي إثما، وازدادت الجنّ عليهم بذلك جراءة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال:ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ ) كانوا في الجاهلية إذا نـزلوا منـزلا يقولون:نعوذ بأعزّ أهل هذا المكان.
حدثنا ابن حميد، قال:ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ ) قال:كانوا يقولون:فلان من الجنّ ربّ هذا الوادي، فكان أحدهم إذا دخل الوادي يعوذ بربّ الوادي من دون الله، قال:فيزيده بذلك رهقا، وهو الفرَق.
حدثني يونس، قال:أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله:(وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) قال كان الرجل في الجاهلية إذا نـزل بواد قبل الإسلام قال:إن أعوذ بكبير هذا الوادي، فلما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم.
وقوله:(فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم:معنى ذلك:فزاد الإنس بالجن باستعاذتهم بعزيزهم، جراءة عليهم، وازدادوا بذلك إثما.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال:ثني أبي، قال:ثني عمي، قال:ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) فزادهم ذلك إثما.
حدثنا بشر، قال:ثنا يزيد، قال:ثنا سعيد، عن قتادة قال، قال الله:(فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ):أي إثما، وازدادت الجنّ عليهم بذلك جراءة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال:ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) يقول:خطيئة.
حدثنا ابن حميد، قال:ثنا مهران، قال:ثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) قال:فيزدادون عليهم جراءة.
قال ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) قال ازدادوا عليهم جراءة.
وقال آخرون:بل عني بذلك أن الكفار زادوا بذلك طغيانا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال:ثنا أبو عاصم، قال:ثنا عيسى؛ وحدثني الحارث، قال:ثنا الحسن، قال:ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نحيح، عن مجاهد، قوله:(فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) قال:زاد الكفار طغيانا.
وقال آخرون:بل عني بذلك فزادوهم فَرَقا.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال:ثنا مهران، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس (فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) قال:فيزيدهم ذلك رهقا، وهو الفرق.
حدثني يونس، قال:أخبرنا ابن وهب، قال، قال ابن زيد، في قوله:(فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) قال:زادهم الجنّ خوفا.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال:معنى ذلك:فزاد الإنس الجنّ بفعلهم ذلك إثما، وذلك زادوهم به استحلالا لمحارم الله. والرهق في كلام العرب:الإثم وغِشيان المحارم؛ ومنه قول الأعشى:
لا شَـيْءَ يَنْفَعُنِـي مِـنْ دُونِ رُؤْيَتِهـا
هـلْ يَشْـتَفِي وَامِقٌ ما لم يُصِبْ رَهَقا (6)
يقول:ما لم يغش محرما.
--------------------
الهوامش:
(6) البيت لأعشى بني قيس بن ثعلبة (ديوانه طبع القاهرة 365 من القصيدة المرقومة80 ) . وفي اللسان:(رهق) قال:والرهق:غشيان المحارم من شرب الخمر ونحوه. قال ابن بري:وكذلك فسر الرهق في شعر الأعشى:بأنه غشيان المحارم، وما لا خير فيه قوله:"لا شيء ينفعني.."البيت قلت:وتفسير ابن برى لا يعجبني، لأن الأعشى لم يكن يعرف المحرمات، وإنما يحسن تفسيره كما قال شارح الديوان:إن الرهق:الدنو من المحبوب والقرب منه، والتمنع بما ينوله، فأما إذا كان بعيدا عنه فلا شفاء ولا قرار. وفي (اللسان:رهق) عن الزجاج، فزادهم رهقا:أي ذلة وضعفا. وقيل:سفها وطغيانا. وقيل في تفسيره:الظلم. وقيل:الفساد.. إلخ