وقوله:( وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا ) يقول تعالى ذكره:ويُطاف على هؤلاء الأبرار بآنية من الأواني التي يشربون فيها شرابهم، هي من فضة كانت قواريرًا، فجعلها فضة، وهي في صفاء القوارير، فلها بياض الفضة وصفاء الزجاج.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال:ثني أبي، قال:ثني عمي، قال:ثني أبي عن أبيه، عن ابن عباس، قوله:( وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا ) يقول:آنية من فضة، وصفاؤها وتهيؤها كصفاء القوارير.
حدثنا ابن حميد، قال:ثنا مهران، عن سفيان، عن مجاهد ( من فضة ) ، قال:فيها رقة القوارير في صفاء الفضة.
حدثني محمد بن عمرو، قال:ثنا أبو عاصم، قال:ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال:ثنا الحسن، قال:ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله:( قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ ) قال:صفاء القوارير وهي من فضة.
حدثنا بشر، قال:ثنا يزيد، قال:ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:( وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ ) أي صفاء القوارير في بياض الفضة.
وقوله:( وأكْوَابٍ ) يقول:ويُطاف مع الأواني بجرار ضِخام فيها الشراب، وكلّ جرّة ضخمة لا عروة لها فهي كوب.
كما حدثنا ابن حميد، قال:ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد ( وأكْوَابٍ ) قال:ليس لها آذان.
وقد حدثنا ابن حميد:قال:ثنا مهران، عن سفيان بهذا الحديث بهذا الإسناد عن مجاهد، فقال:الأكواب:الأقداح.
وقوله:( كَانَتْ قَوَارِيرَا ) يقول:كانت هذه الأواني والأكواب قواريرًا، فحوّلها الله فضة. وقيل:إنما قيل:ويطاف عليهم بآنية من فضة، ليدلّ بذلك على أن أرض الجنة فضة، لأن كل آنية تُتَّخذ، فإنما تُتَّخذ من تُرْبة الأرض التي فيها، فدلّ جلّ ثناؤه بوصفه الآنية متى يطاف بها على أهل الجنة أنها من فضة، ليعلم عباده أن تربة أرض الجنة فضة.
&; 24-105 &;
واختلفت القرّاء في قراءة قوله "قوارير، وسلاسل "، فقرأ ذلك عامة قرّاء المدينة والكوفة غير حمزة:سَلاسِلا وقواريرا( قَوَارِيرًا ) بإثبات الألف والتنوين وكذلك هي في مصاحفهم، وكان حمزة يُسْقط الألِفات من ذلك كله، ولا يجري شيئا منه، وكان أبو عمرو يُثبت الألف في الأولى من قوارير، ولا يثبتها في الثانية، وكلّ ذلك عندنا صواب، غير أن الذي ذَكَرت عن أبي عمرو أعجبهما إليّ، وذلك أن الأوّل من القوارير رأس آية، والتوفيق بين ذلك وبين سائر رءوس آيات السورة أعجب إليّ إذ كان ذلك بإثبات الألفات في أكثرها.
**
يقول تعالى ذكره:( قَوَارِيرَا ) في صفاء الصفاء من فضة الفضة من البياض (5) .
كما حدثني يعقوب، قال:ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال:قال الحسن، في قوله:كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍقال:صفاء القوارير في بياض الفضة.
حدثنا ابن المثنى، قال:ثنا يحيى بن كثير، قال:ثنا شعبة، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله الله ( قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ ) قال:بياض الفضة في صفاء القوارير.
حدثني يعقوب، قال:ثنا مروان بن معاوية، قال:أخبرنا ابن أبي خالد، عن أبي صالح، في قوله:كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍقال:كان ترابها من فضة.
وقوله:( قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ ) قال:صفاء الزجاج في بياض الفضة.
حدثنا ابن بشار، قال:ثنا سليمان، قال:ثنا أبو هلال، عن قتادة، في قوله:قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍقال:لو احتاج أهل الباطل (6) أن يعملوا إناء من فضة يرى ما فيه من خلفه، كما يرى ما في القوارير ما قدروا عليه.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال:ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ ) قال:هي من فضة، وصفاؤها:صفاء القوارير في بياض الفضة.
&; 24-106 &;
حدثنا ابن حميد، قال:ثنا مهران، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ ) قال:على صفاء القوارير، وبياض الفضة.
وقوله:( قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ) يقول:قدّروا تلك الآنية التي يُطاف عليهم بها تقديرا على قَدْر رِيِّهم لا تزيد ولا تنقص عن ذلك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب، قال:ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن، في قوله:( قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ) قال:قُدّرت لريّ القوم.
حدثنا أبو كُريب، قال:ثنا ابن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد، في قوله:( قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ) قال:قدر ريِّهم.
حدثنا أبو كُريب، قال:ثنا عمر بن عبيد، عن منصور، عن مجاهد، في قوله:( قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ) قال:لا تنقص ولا تفيض.
حدثني محمد بن عمرو، قال:ثنا أبو عاصم، قال:ثنا عيسى:وحدثني الحارث، قال:ثنا الحسن، قال:ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ) قال:لا تَترع فتُهراق، ولا ينقصون من مائها فتنقص فهي ملأى.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال:ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ) لريِّهم.
حدثنا بشر، قال:ثنا يزيد، قال:ثنا سعيد، عن قتادة ( قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ) قدرت على ريّ القوم.
حدثني يونس، قال:أخبرنا ابن وهب، قال:قال ابن زيد في قوله:( مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ) قال:قدّروها لريهم على قدر شربهم أهل الجنة.
حدثنا ابن حميد، قال:ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، في قوله:( قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ) قال:ممتلئة لا تُهَراق، وليست بناقصة.
وقال آخرون:بل معنى ذلك:قدّروها على قدر الكفّ.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال:ثني أبي، قال:ثني عمي، قال:ثنا أبي، عن أبيه، &; 24-107 &; عن ابن عباس:( قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ) قال:قدرت للكفّ.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله ( قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا ) فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار:( قَدَّرُوها ) بفتح القاف، بمعنى:قدّرها لهم السُّقاة الذين يطوفون بها عليهم. ورُوي عن الشعبيّ وغيره من المتقدمين أنهم قرءوا ذلك بضم القاف، بمعنى:قُدّرت عليهم، فلا زيادة فيها ولا نقصان.
والقراءة التي لا أستجير القراءة بغيرها فتح القاف، لإجماع الحجة من القرّاء عليه.