وقوله:( إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا ) يقول تعالى ذكره:لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميمًا قد أغلي حتى انتهى حرّه، فهو كالمُهْل يَشْوِي الوجوه، ولا بردًا إلا غَسَّاقًا.
اختلف أهل التأويل في معنى الغَسَّاق، فقال بعضهم:هو ما سال من صديد أهل جهنم.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كُريب، ومحمد بن المثنى، قالا ثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن عطية بن سعد، في قوله:( حَمِيمًا وَغَسَّاقًا ) قال:هو الذي يَسيل من جلودهم.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال:ثنا المعتمر، عن أبيه، قال:ثنا أبو عمرو، قال:زَعم عكرِمة أنه حدثهم في قوله:( وَغَسَّاقًا ) قال:ما يخرج من أبصارهم من القيح والدم.
حدثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا ثنا عبد الرحمن قال:ثنا سفيان، عن منصور عن إبراهيم وأبي رَزِين ( إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا ) قالا غُسالة أهل النار:لفظ ابن بشار؛ وأما ابن المثنى فقال في حديثه:ما يسيل من صديدهم.
وحدثنا ابن بشار مرّة أخرى عن عبد الرحمن، فقال كما قال ابن المثنى.
حدثنا ابن حميد، قال:ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن أبي رزين ( وَغَسَّاقًا ) قال:ما يَسِيل من صديدهم.
حدثنا أبو كُريب، قال:ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور وأبي رزين، عن إبراهيم مثله.
حدثنا بشر، قال:ثنا يزيد، قال:ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:( غَسَّاقًا ) كنا نحدَّث أن الغَسَّاق:ما يسيل من بين جلده ولحمه.
حدثنا ابن المثنى، قال:ثنا الضحاك بن مخلد، عن سفيان، أنه قال:بلغني أنه ما يسيل من دموعهم.
حدثنا ابن حميد، قال:ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم ( وَغَسَّاقًا ) قال:ما يسيل من صديدهم من البرد، قاله سفيان، وقال غيره:الدموع.
حدثني يونس، قال:أخبرنا ابن وهب، قال:قال ابن زيد، في قوله:( إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا ) قال:الحميم:دموع أعينهم في النار، يجتمع في خنادق النار فَيُسْقَونه والغساق:الصديد الذي يخرج من جلودهم، ما تصهرهم النار في حياض يجتمع فيها فيسقونه.
حدثنا ابن حميد، قال:ثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم ( إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا ) قال:الغساق:ما يقطر من جلودهم، وما يسيل من نتنهم.
وقال آخرون:الغساق:الزمهرير.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال:ثنا أبو صالح، قال:ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس ( إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا ) يقول:الزمهرير.
حدثنا أبو كُريب وأبو السائب وابن المثنى، قالوا:ثنا ابن إدريس، قال:سمعت ليثا، عن مجاهد، في قوله:( إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا ) قال:الذي لا يستطيعون أن يذوقوه من برده.
قال:ثنا ابن بشار، قال:ثنا عبد الرحمن، قال:ثنا سفيان، عن ليث، عن مجاهد ( إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا ) قال:الذي لا يستطيعونه من برده.
حدثنا أبو كُريب، قال:ثنا وكيع، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد، الغساق:الذي لا يستطاع من برده.
حدثنا ابن حميد، قال:ثنا مهران، عن أبي جعفر عن الربيع، قال:الغساق، الزمهرير.
حدثنا أبو كُريب، قال:ثنا وكيع، عن أبي جعفر، عن الربيع عن أبي العالية، قال:الغساق:الزمهرير.
وقال آخرون:هو المنتن، وهو بالطَّخارية.
* ذكر من قال ذلك:
حُدثت عن المسيب بن شريك، عن صالح بن حيان، عن عبد الله بن بُرَيدة، قال:الغساق:بالطَّخارية:هو المُنْتِن.
والغساق عندي:هو الفعال، من قولهم:غَسَقَت عين فلان:إذا سالت دموعها، وغَسَق الجرح:إذا سال صديده، ومنه قول اللهوَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَيعني بالغاسق:الليل إذا لَبِسَ الأشياء وغطاها، وإنما أريد بذلك هجومه على الأشياء، هجوم السيل السائل. فإذا كان الغسَّاق هو ما وصفت من الشيء السائل، فالواجب أن يقال:الذي وعد الله هؤلاء القوم، وأخبر أنهم يذوقونه في الآخرة من الشراب هو السائل من الزمهرير في جهنم، الجامع مع شدّة برده النتن.
كما حدثنا ابن المثنى، قال:ثنا يعمر بن بشر، قال:ثنا ابن المبارك، قال:ثنا رشدين بن سعد، قال:ثنا عمرو بن الحارث، عن أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدريّ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال:"لَوْ أنَّ دَلْوًا مِنْ غَسَّاقٍ يُهْرَاقُ إلى الدُّنْيا لأنْتَن أهْلَ الدُّنْيا ".
حُدثت عن محمد بن حرب، قال:ثنا ابن لَهِيعة، عن أبي قبيل، عن أبي مالك، عن عبد الله بن عمرو أنه قال:"أتدرون أيّ شيء الغسَّاق؟ "قالوا:الله أعلم، قال:"هو القيح الغليظ، لو أن قطرة منه تهراق بالمغرب لأنتن أهل المشرق، ولو تهراق بالمشرق، لأنتن أهل المغرب ".
فإن قال قائل:فإنك قد قلت:إن الغَساق:هو الزمهرير، والزمهرير، هو غاية البرد، فكيف يكون الزمهرير سائلا؟ قيل:إن البرد الذي لا يُستطاع ولا يُطاق يكون في صفة السائل من أجساد القوم من القيح والصديد.