وقوله:( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) يقول:والليل وما جمع مما سكن وهدأ فيه من ذي روح كان يطير، أو يَدِب نهارًا، يقال منه:وسَقْتُه أسِقُه وَسْقا، ومنه طعام موسُوق، وهو المجموع في غرائر أو وعاء، ومنه الوَسْق، وهو الطعام المجتمع الكثير مما يُكال أو يوزن، يقال:هو ستون صاعًا، وبه جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال:ثنا أبو صالح قال:ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله:( وَمَا وَسَقَ ) يقول:وما جمع .
حدثنا ابن بشار، قال:ثنا محمد بن جعفر، قال:ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن مجاهد، عن ابن عباس في هذه الآية ( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) قال:وما جمع . وقال ابن عباس:
مُسْتَوْسِقَاتٍ لَوْ يَجِدْنَ سَائِقَا (2)
حدثني يعقوب قال:ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، قال:سأل حفص الحسن عن قوله:( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) قال:وما جمع .
حدثني محمد بن عمرو، قال:ثنا أبو عاصم، قال:ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال:ثنا الحسن، قال:ثنا ورقاء، جميعا، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) قال:وما جمع، يقول:ما آوى فيه من دابة .
حدثنا أبو كريب، قال:ثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد ( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ):وما لفّ .
حدثنا ابن حميد، قال:ثنا مهران، عن سفيان، عن منصور، عن مجاهد ( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) قال:وما أظلم عليه، وما أدخل فيه . وقال ابن عباس:
* مُسْتَوْسِقَاتٍ لَوْ يَجِدْنَ حَادِيا *
حدثنا بشر، قال:ثنا يزيد، قال:ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) يقول:وما جمع من نجم أو دابة .
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال:ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة ( وَمَا وَسَقَ ) قال:وما جمع .
حدثني يونس، قال:أخبرنا ابن وهب، قال:قال ابن زيد، في قوله:( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) قال:وما جمع مجتمع فيه الأشياء التي يجمعها الله التي تأوي إليه، وأشياء تكون في الليل لا تكون في النهار ما جمع مما فيه ما يأوي إليه، فهو مما جمع .
حدثنا ابن حميد، قال:ثنا حكام، قال:ثنا عمرو، عن منصور، عن مجاهد:( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) يقول:ما لُفّ عليه .
قال:ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، مثله.
حدثنا ابن بشار، قال:ثنا عبد الرحمن، قال:ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد ( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) قال:وما دخل فيه .
حدثنا أبو كريب، قال:ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي الهيثم، عن سعيد بن جبير ( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ):وما جمع .
قال:ثنا وكيع، عن نافع، عن ابن عمر، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس ( وَمَا وَسَقَ ):وما جمع، ألم تسمع قول الشاعر:
* مُسْتَوْسِقَاتٍ لَوْ يَجِدْنَ سَائِقَا *
حدثنا هناد، قال:ثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرِمة، في قوله:( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) قال:ما حاز إذا جاء الليل .
وقال آخرون:معنى ذلك:وما ساق.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا عبد الله بن أحمد المَرْوَزيّ، قال:ثنا عليّ بن الحسن، قال:ثنا حسين، قال:سمعت عكرمة وسئل ( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) قال:ما ساق من ظلمة، فإذَا كان الليل، ذهب كلّ شيء إلى مأواه .
حدثنا ابن حميد، قال:ثنا يحيى بن واضح، قال:ثنا الحسن، عن عكرمة ( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) يقول:ما ساق من ظلمة إذا جاء الليل ساق كل شيء إلى مأواه .
حُدثت عن الحسين، قال:سمعت أبا معاذ يقول:ثنا عبيد، قال:سمعت الضحاك يقول، في قوله:( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) قال:ما ساق معه من ظلمة إذا أقبل .
حدثني محمد بن سعد، قال:ثني أبي، قال:ثني عمي، قال:ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله:( وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) يعني:وما ساق الليل من شيء جمعه النجوم، ويقال:والليل وما جمع .
------------------------
الهوامش:
(2) هذا بيت من مشطور الرجز ، أنشده أبو عبيدة في مجاز القرآن ( 186 ) قال:{ وما وسق} ما علاه لم يمتنع منه شيء ، فإذا جلل الليل الجبال والأشجار والبحار والأرض ، فاجتمعت له ، فقد وسقها ؛ قال الشاعر:
* مستوسـقات لـو وجـدن سـائقًا *
وفي الكامل للمبرد ( طبعة الحلبي 957 ) حدث أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي النسابة ، عن أسامة بن زيد ، عن عكرمة ، قال:رأيت عبد الله بن العباس وعنده نافع بن الأزرق وهو يسأله ، ويطلب منه الاحتجاج باللغة ، فسأله عن قول الله جل ثناؤه:{ والليل وما وسق} ، فقال ابن عباس:وما جمع ، فقال:أتعرف ذلك العرب ؟ قال ابن عباس:أما سمعت قول الراجز:
إنَّ لَنـــا قَلائِصًـــا حَقائِقَـــا
مُسْتَوْسِــقاتٍ لَــوْ يَجِــدْنَ سـائِقَا
قال المبرد:هذا قول ابن عباس ؛ وهو الحق الذي لا يقدح فيه قادح . قلت:وبناء عليه يكون هذان البيتان معروفين في عصر ابن عباس ونافع بن الأزرق . وتكون نسبتهما إلى العجاج في ملحق ديوانه ، وفي إحدى روايات ( اللسان:وشق ) غير صحيحة . والنون في يجدن أو وجد:راجعة إلى الأبل ، وأن من الخطأ أن يقال:تجدن بالتاء في أول الفعل إلا إذا كان لجمع مؤنث للمخاطبات ، وقد وقع خطأ تجدن في اللسان ، وفي ديوان العجاج 84 . وخلاصة ما تقدم أن هذا الرجز عرفه ابن عباس وأنشده احتجاجا على ما سأله عنه نافع . ولابد إذن من حمل عبارة:وقال ابن عباس "مستوسقات "التي وردت في ثلاثة مواضع في الطبري على إرادة . وأنشد ابن عباس ؛ لأن ما ورد في التفسير مسوق روايات لبعض المفسرين ، وفيه تسمح في التعبير .