وقوله:( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ) يقول تعالى ذكره:إن هذا الذي خلقكم أيها الناس من هذا الماء الدافق، فجعلكم بشرًا سويًا، بعد أن كنتم ماء مدفوقًا، على رجعه لقادر.
واختلف أهل التأويل في الهاء التي في قوله:( عَلَى رَجْعِهِ ) على ما هي عائدةٌ، فقال بعضهم:هي عائدة على الماء. وقالوا:معنى الكلام:إن الله على ردّ النطفة في الموضع التي خرجت منه ( لَقَادِرٌ ) .
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب، قال:ثنا ابن عُلَية، عن أبي رجاء، عن عكرِمة، في قوله:( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ) قال:إنه على رَدّه في صُلْبه لقادر .
حدثنا ابن المثنى، قال:ثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله، قال:ثنا شعبة، عن أبي رجاء، عن عكرمة في قوله:( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ) قال:لِلصُّلب .
حدثني عبيد بن إسماعيل الهباري، قال:ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ، عن ليث، عن مجاهد، في قوله:( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ) قال:على أن يرد الماء في الإحليل .
حدثني نصر بن عبد الرحمن الأوْدِيّ الوشاء، قال:ثنا أبو قَطَن عمرو بن الهيثم، عن ورقاء، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن عبد الله بن أبي بكر، عن مجاهد، في قوله:( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ) قال:على ردّ النطفة في الإحليل .
حدثني محمد بن عمرو، قال:ثنا أبو عاصم، قال:ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال:ثنا الحسن، قال:ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله:( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ) قال:في الإحليل .
حدثنا ابن حميد، قال:ثنا مهران، عن سفيان، عن ليث، عن مجاهد ( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ) قال:ردّه في الإحليل .
وقال آخرون:بل معنى ذلك:إنه على ردّ الإنسان ماءً كما كان قبل أن يخلقه منه.
* ذكر من قال ذلك:
حُدثت عن الحسين، قال:سمعت أبا معاذ يقول:ثنا عبيد، قال:سمعت الضحاك يقول في قوله:( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ) إن شئتُ رددتُه كما خلقته من ماءٍ .
وقال آخرون:بل معنى ذلك:إنه على حبس ذلك الماء لقادرٌ.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس، قال:أخبرنا ابن وهب، قال:قال ابن زيد، في قوله:( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ) قال:على رجع ذلك الماء لقادرٌ، حتى لا يخرج، كما قدر على أن يخلق منه ما خلق قادر على أن يرجعه .
وقال آخرون:بل معنى ذلك أنه قادر على رجع الإنسان من حال الكبر إلى حال الصغر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال:ثنا يحيى بن واضح، قال:ثنا الحسين، عن مقاتل بن حيان، عن الضحاك قال:سمعته يقول في قوله:( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ) يقول:إن شئتُ رددته من الكبر إلى الشباب، ومن الشباب إلى الصِّبا، ومن الصبا إلى النطفة. وعلى هذا التأويل تكون الهاء في قوله:( عَلَى رَجْعِهِ ) من ذكر الإنسان.
وقال آخرون، ممن زعم أن الهاء للإنسان:معنى ذلك أنه على إحيائه بعد مماته لقادر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال:ثنا يزيد، قال:ثنا سعيد، عن قتادة، قوله:( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ) إن الله تعالى ذكره على بعثه وإعادته قادر .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال:معنى ذلك:إن الله على ردّ الإنسان المخلوق من ماء دافق من بعد مماته حيًّا، كهيئته قبل مماته لقادر.
وإنما قلت:هذا أولى الأقوال في ذلك بالصواب؛ لقوله:( يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ) فكان في إتباعه قوله:( إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ) نبأ من أنباء القيامة، دلالة على أن السابق قبلها أيضًا منه، ومنه ( يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ) يقول تعالى ذكره:إنه على إحيائه بعد مماته لقادر يوم تُبلى السرائر، فاليوم من صفة الرجع، لأن المعنى:إنه على رجعه يوم تبلى السرائر لقادر.