ثم ينتقل القرآن الكريم من النهى عن أن يتبع الإنسان ما لا علم له به، إلى النهى عن التفاخر والتكبر والإعجاب في النفس فيقول:وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً....
والمرح في الأصل:شدة الفرح، والتوسع فيه، مع الخيلاء والتعالي على الناس، يقال:
مرح- بزنة فرح- يمرح مرحا، إذا اشتد فرحه ومشى مشية المتكبرين. وهو مصدر وقع موقع الحال.
أى:ولا تمش- أيها الإنسان- في الأرض مشية الفخور المتكبر المختال بل كن متواضعا متأدبا بأدب الإسلام في سلوكك.
وتقييد النهى بقوله «في الأرض» للتذكير بالمبدأ والمعاد، المانعين من الكبر والخيلاء، إذ من الأرض خلق وإليها يعود، ومن كان كذلك كان جديرا به أن يتواضع لا أن يتكبر.
قال- تعالى-:مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ، وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى.
وقوله- سبحانه-:إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ، وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا تعليل للنهى عن التفاخر مع السخرية والتهكم من المتفاخر المغرور.
أى:إنك- أيها الماشي في الأرض مرحا- لن تخرق الأرض بوطئك عليها، أو بمشيك فوقها، ولن تبلغ- مهما ارتفعت قامتك- الجبال في الطول والعلو. ومادام شأنك كذلك، فكن متواضعا، فمن تواضع لله- تعالى- رفعه.
وقوله «طولا» تمييز محول عن الفاعل. أى:لن يبلغ طولك الجبال.
وشبيه بهذه الآية في النهى عن التعالي والتطاول، قوله- تعالى-:وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ، وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ .
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتواضع، ونهى عن التكبر والغرور، وبين سوء عاقبة ذلك في أحاديث كثيرة، منها ما رواه مسلم في صحيحه عن عياض بن حمار قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن الله- تعالى- أوحى إلى أن تواضعوا، حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغى أحد على أحد» .
وروى الشيخان عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا» .
وروى الترمذي عن سلمة بن الأكوع قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا يزال الرجل يذهب بنفسه- أى يرتفع ويتكبر- حتى يكتب في الجبارين- فيصيبه ما أصابهم» .
ورحم الله القائل:
ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعا ... فكم تحتها قوم همو منك أرفع
وإن كنت في عز وحرز ومنعة ... فكم مات من قوم همو منك أمنع