ونهى الله تعالى بعد ذلك عن العجب والخيلاء ، وهو سبيل الضلال كالأوهام:
{ ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ( 37 ) كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها ( 38 )} .
"المرح"الخيلاء والعجب ، والفرح بما أوتى من صحة أو مال أو جاه أو سلطان ، أو مرحا مصدر أي ذا مرح ، وهناك قراءة بالكسر{[1438]} ، وتكون حالا أي مرحا معجبا مختالا متزينا معتزا بما أعطيه .
قال تعالى:{ إنك لن تخترق الأرض} ، أي تخترقها بوطائك مهما تكن قوتك ،{ ولن تبلغ الجبال طولا} ، أي لن تناهد السماء وتناصبها ، حتى تبلغ طولها ، وتعلو عليها ، أي إنك مهما تكن في قوتك لن تكون قادرا على خرق الأرض أو التطاول على السماء ، وهذا يدل على عجزه مهما زعم نفسه قويا ، وأنه مهما يتفاخر فهو قمئ{[1439]} لا يقدر على شيء مهما يعط نفسه من فخار ، وكأن في الكلام تشبيها لحاله بحالة من يحاول أن يرق الأرض بقوته أو يعلو إلى السماء بغروره ، وإن ذلك مستحيل فكذلك ما يزعمه لنفسه مستحيل .
وإن هذا من الكبر والخيلاء ، وهما يؤذيان الناس ولا ينفعان صاحبهما ، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"من تواضع لله رفعه"{[1440]} هو في نفسه حقير وعند الله كبير ، ومن استكبر وضعه الله فهو في نفسه كبير وهو عند الله حقير .
وإن الكبر يسئ إلى الناس ؛ لأن المتكبر يستعلى عليهم ويضيع حقوقهم ، ولا يباليهم ولا يحس بإحساسهم ويشمخ بنفسه كأنه فوق التبعة ، ولا يسأل عن فعله وحاله ، ولذا قال صلى الله عليه وسلم:"الكبر بطر الحق ، وغمط الناس"{[1441]} .