{ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ( 37 )}
المفردات:
المرح: الفخر والكبر .
لن تخرق الأرض: لن تقطع الأرض ولن تجعل فيها خرقا وثقبا باختيالك وشدة وطأتك .
لن تبلغ الجبال طولا{[7]}: أي: بتمايلك وفخرك وإعجابك بنفسك .
التفسير:
37-{ولا تمش في الأرض مرحا ...} الآية .
قال النيسابوري: بين الله ضعف الآدمي بأنه في حال انخفاضه لا يقدر على خرق الأرض وفي حال ارتفاعه لا يقدر على الوصول إلى رؤوس الجبال فلا يليق به أن يتكبر{[8]} .
والإنسان حين يخلو قلبه من الشعور بالخالق القاهر فوق عباده ؛تأخذه الخيلاء بما يبلغه من ثراء أو سلطان أو جمال .ولو تذكر أن ما به من نعمة فمن الله ،وأنه ضعيف أمام حول الله ؛لطامن كبريائه وخفف من خيلائه .ومشى على الأرض هونا لا تيها ولا مرحا .
والقرآن هنا يجبه المتطاول المختال المرح ،بضعفه وعجزه وضآلته فالإنسان بجسمه ضئيل هزيل ،لا يبلغ شيئا من الأجسام الضخمة التي خلقها الله ،إنما هو قوي بقوة الله ،عزيز بعزة الله ،كريم بروحه الذي نفخه الله فيه ،ليتصل به ويراقبه ولا ينساه .
ذلك التطامن والتواضع الذي يدعو إليه القرآن بذم المرح والخيلاء أدب مع الله ،وأدب مع الناس ،أدب نفسي وأدب اجتماعي .
ومن ترك هذا الأدب إلى العجب والخيلاء ؛عامله الله بنقيض قصده ،فجعله صغيرا عند الله .
وفي الأثر يقول الله عز وجل: ( يا داود ،من تواضع لي هكذا ،رفعته هكذا ،ومن تكبر عليّ هكذا وضعته هكذا ) .
وما أشبه المتكبر بالرجل فوق النخلة العالية أو الجبل المرتفع يرى الناس صغارا ،وهم يرونه صغيرا .
وكان من دعاء السابقين: اللهم ،اجعلني عند نفسي صغيرا وعند الناس كبيرا .
وفي الصحيح: ( بينما رجل يمشي فيمن كان قبلكم وعليه بردان يتبختر فيهما إذ خسف به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ){[9]} .
وكذلك أخبر الله تعالى عن قارون أنه خرج على قومه في زينته وأن الله تعالى خسف به وبداره الأرض .
وفي الحديث: ( من تواضع لله ؛رفعه الله فهو في نفسه حقير وعند الناس كبير ،ومن استكبر ؛وضعه الله فهو في نفسه كبير وعند الناس حقير ){[10]} .