قوله تعالى:{ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ( 37 ) كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها ( 38 )} ذلك نهي من الله لعباده عن المشي مرحا .و ( مرحا ) ،منصوب على الحال .والمرح معناه التكبر والبطر وشدة الخيلاء والتبختر في المشية{[2686]} ،وكل هذه الأوصاف لا ينبغي أن يتلبس بها خلق المسلم لكونها ذميمة يبغضها الله .وما يحب الله لعبده إلا أن يتسم بشيمة التواضع في مشيه وحديثه وسلوكه كله ؛ليكون عند الله مرضيا مكرما .وفي الحديث:"من تواضع لله رفعه الله ؛فهو في نفسه حقير وعند الناس كبير .ومن استكبر وضعه الله ؛فهو في نفسه كبير وعند الناس حقير ،حتى لهو أبغض إليهم من الكلب والخنزير ".والاستكبار والخيلاء والبطر من أسوأ الأوضار الشخصية التي تشين الإنسان وتجعله في عداد المبغوضين والمقبوحين الذين تطوقهم اللعنة ويشتد عليهم من الله الغضب .لا جرم أن المستكبرين المتبخترين البطريين صائرون إلى أوخم العواقب من التعس والمقت في الدنيا والآخرة ؛فهم في الدنيا تحيط بهم الكراهية والاستخفاف من الناس ،وفي الآخرة يصيرون إلى مثواهم المنتظر في جهنم .
وفي التنديد بالمتكبر المختال يقول الرسول ( ص ):"بينما رجل يمشي فيمن كان قبلكم وعليه بردان يتبختر فيهما ؛إذ خسف به الأرض ،فهو يتجلجل{[2687]} فيها إلى يوم القيامة ".
قوله: ( إنك لن تخرق الأرض ) لن تستطيع أن تنقب الأرض أو تجعل فيها خرقا بدوسك لها ووطئك عليها ( ولن تبلغ الجبال طولا ) ( طولا ) ،منصوب على المصدر في موضع الحال ؛أي لن تساوي الجبال بطولك وقدرتك ،وأنت تتيه في مشيتك بطرا وخيلاء .ولكنك في حقيقتك عبد ضعيف تحيط بك ظواهر الضعف من كل جانب .فما ينبغي لإنسان هذا شأنه أن يستكبر أو يختال في الأرض مرحا وغرورا .