قوله تعالى:{وَلاَ تَمْشِ في الأرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً} .
نهى الله جل وعلا الناس في هذه الآية الكريمة عن التجبر والتبختر في المشية .وقوله{مَرَحًا} مصدر منكر ،وهو حال على حد قول ابن مالك في الخلاصة:
ومصدر منكر حالا يقع ***بكثرة كبغتة زيد طلع
وقرئ «مرحاً » بكسر الراء على أنه الوصف من مرح ( بالكسر ) يمرح ( بالفتح ) أي لا تمش في الأرض في حال كونك متبختراً متمايلاً مشي الجبارين .
وقد أوضح حل وعلا هذا المعنى في مواضع أخر ؛كقوله عن لقمان مقرراً له{وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ في الأرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُختالٍ فَخُورًا وَاقْصِدْ في مَشْيِكَ} [ لقمان: 18-19] الآية ،وقوله:{وَعِبَادُ الرَّحْمَانِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْناً} [ الفرقان: 63] الآية ،إلى غير ذلك من الآيات .
وأصل المرح في اللغة: شدة الفرح والنشاط ،وإطلاقه على مشي الإنسان متبختراً مشي المتكبرين ،لأن ذلك من لوازم شدة الفرح والنشاط عادة .
وأظهر القولين عندي في قوله تعالى:{إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأرْضَ} أن معناه لن تجعل فيها خرقاً بدوسك لها وشدة وطئك عليها ،ويدل لهذا المعنى قوله بعده{وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً} أي أنت أيها المتكبر المختال: ضعيف حقير عاجز محصور بين جمادين !أنت عاجز عن التأثير فيهما .فالأرض التي تحتك لا تقدر أن تؤثر فيها فنخرقها بشدة وطئك عليها ،والجبال الشامخة فوقك لا يبلغ طولك طولها .فاعرف قدرك !ولا تتكبر ،ولا تمش في الأرض مرحاً .
القول الثانيأن معنى{لَن تَخْرِقَ الأرْضَ} لن تقطعها بمشيك ؛قاله ابن جرير ،واستشهد له بقول رؤبة بن العجاج:
وقاتم الأعماق خاوي المخترق ***مشتبه الأعلام لماع الخفق
لأن مراده بالمخترق: مكان الاختراق ؛أي المشي والمرور فيه .وأجود الأعاريب في قوله{طُولاً} أنه تمييز محول عن الفاعل ،أي لن يبلغ طولك الجبال .خلافاً لمن أعربه حالاً ومن أعربه مفعولاً من أجله .وقد أجاد من قال:
ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعا ***فيكم تحتها قوم هم منك أرفع
وإن كنت في عز وحرز ومنعة*** فكم مات من قوم هم منك أمنع
واستدل بعض أهل العلم بقوله تعالى:{وَلاَ تَمْشِ في الأرْضِ مَرَحًا} على منع الرقص وتعاطيه .لأن فاعله ممن يمشي مرحاً .