قال الإمام الرازي ما ملخصه:اعلم أن هذا ابتداء قصة ثالثة ذكرها الله- تعالى- في هذه السورة، وهي أن موسى- عليه السلام- ذهب إلى الخضر ليتعلم منه، وهذا وإن كان كلاما مستقلا في نفسه إلا أنه يعين على ما هو المقصود في القصتين السابقتين:أما نفع هذه القصة في الرد على الكفار الذين افتخروا على فقراء المسلمين، فهو أن موسى مع كثرة علمه وعمله.. ذهب إلى الخضر لطلب العلم وتواضع له.
وأما نفع هذه القصة في قصة أصحاب الكهف، فهو أن اليهود قالوا لكفار مكة:«إن أخبركم محمد صلى الله عليه وسلم عن هذه القصة فهو نبي وإلا فلا وهذا ليس بشيء. لأنه لا يلزم من كونه نبيا أن يكون عالما بجميع القصص كما أن كون موسى نبيا لم يمنعه من الذهاب ليتعلم منه».
وموسى- عليه السلام- هو ابن عمران، وهو أحد أولى العزم من الرسل، وينتهى نسبه إلى يعقوب- عليه السلام-.
وفتاه:هو يوشع بن نون، وسمى بذلك لأنه كان ملازما لموسى- عليه السلام- ويأخذ عنه العلم.
وقوله:لا أَبْرَحُ أى:لا أزال سائرا. ومنه قوله- تعالى- لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ. من برح الناقص.
قال الجمل:واسمها مستتر وجوبا، وخبرها محذوف، تقديره:لا أبرح سائرا، وقوله حَتَّى أَبْلُغَ.. غاية لهذا المقدر. ويحتمل أنها تامة فلا تستدعى خبرا، بمعنى:لا أزول عما أنا عليه من السير والطلب ولا أفارقه حتى أبلغ..» .
ومَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ:المكان الذي فيه يلتقى البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط.
قال الآلوسى:والمجمع:الملتقى، وهو اسم مكان.. والبحران:بحر فارس والروم، كما روى عن مجاهد وقتادة وغيرهما وملتقاهما:مما يلي المشرق ولعل المراد مكان يقرب فيه التقاؤهما.. وقيل البحران:بحر الأردن وبحر القلزم..» .
وقال بعض العلماء:والأرجح- والله أعلم- أن مجمع البحرين:بحر الروم وبحر القلزم.
أى:البحر الأبيض والبحر الأحمر. ومجمعهما مكان التقائهما في منطقة البحيرات المرة وبحيرة التمساح. أو أنه مجمع خليجى العقبة والسويس في البحر الأحمر. فهذه المنطقة كانت مسرح تاريخ بنى إسرائيل بعد خروجهم من مصر، وعلى أية حال فقد تركها القرآن مجملة فنكتفى بهذه الإشارة» .
والمعنى:واذكر- أيها الرسول الكريم- لقومك لكي يعتبروا ويتعظوا وقت أن قال أخوك موسى- عليه السلام- لفتاه يوشع بن نون، اصحبنى في رحلتي هذه فإنى لا أزال سائرا حتى أصل إلى مكان التقاء البحرين، فأجد فيه بغيتي ومقصدي، «أو أمضى» في سيرى «حقبا» أى:زمنا طويلا، إن لم أجد ما أبتغيه هناك.
والحقب- بضم الحاء والقاف- جمعه أحقاب، وفي معناه:الحقبة- بكسر الحاء- وجمعها حقب- كسدرة وسدر- والحقبة- بضم الحاء- وجمعها:حقب كغرفة وغرف- قيل:مدتها ثمانون عاما. وقيل سبعون. وقيل:زمان من الدهر مبهم غير محدد.
والآية الكريمة تدل بأسلوبها البليغ، على أن موسى- عليه السلام- كان مصمما على بلوغ مجمع البحرين مهما تكن المشقة في سبيل ذلك، ومهما يكن الزمن الذي يقطعه في سبيل الوصول إلى غايته، وهو يعبر عن هذا التصميم بما حكاه عنه القرآن بقوله:«أو أمضى حقبا» .
وقد أشار الآلوسى- رحمه الله- إلى سبب تصميم موسى على هذه الرحلة فقال:وكأن منشأ عزيمة موسى- عليه السلام- على ما ذكره ما رواه الشيخان وغيرهما من حديث ابن عباس عن أبى بن كعب، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«إن موسى- عليه السلام- قام خطيبا في بنى إسرائيل فسئل:أى الناس أعلم؟ فقال:أنا. فعاتبه الله- تعالى- عليه، إذ لم يرد العلم إليه- سبحانه- فأوحى الله- تعالى- إليه:إن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك.
وفي رواية أخرى عنه عن أبى- أيضا- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن موسى- عليه السلام- سأل ربه فقال:أى رب إن كان في عبادك أحد هو أعلم منى فدلني عليه فقال له:
«نعم في عبادي من هو أعلم منك، ثم نعت له مكانه وأذن له في لقائه».