موسى عليه السلام والعبد الصالح
قص الله تعالى في سورة الكهف ثلاث قصص تدل على قدرة الله تعالى في أن يودع الإنسان من القوى ما يكون خارقا ، وما يكون دالا على أن الله يبدع ما لا يعرفه الناس في أعرافهم وبمقتضى سنة الوجود الإنساني التي سنها الله تعالى له في هذه الأرض .
أولى القصص الثلاث:قصة أهل الكتاب الذين ناموا لتسع سنين وثلاث مائة ، وتراهم أيقاظا وهم رقود ، ويقلبهم ذات اليمين وذات الشمال وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد ، وقد تلونا من قبل الآيات الخاصة بهم ، وذكرنا ما أدركنا من معانيها .
والقصة الثانية:قصة عبد صالح آتاه الله من لدنه رحمة ، وآتاه بعض العلم بالأسباب فيما يقدره الله سبحانه وتعال وصاحب نبيّا من أولي العزم من الرسل ، وهو موسى عليه السلام ، ونتلو بين يدي القارئ قصصها إن شاء الله تعالى .
والقصة الثالثة:قصة رجل آتاه الله علما وحكمة وإذا كان لم يؤته علم الغيب فقد آتاه الله تعالى علم الأشياء وما في الأرض وبه ختمت السورة .
وإذا كانت القصة الأولى تنبئ عن قدرة الله تعالى في الإحياء ، وفي بقاء الحياة مع اختفاء الحركة ، والقصة الثانية تنبئ عن أن لكل شيء سببا ، وإن كنا لا نعلمه فآتى الله عبده الصالح علم بعضه ، ففي القصة كيف يمكن أن تكون الأرض وما فيها علما للإنسان يأتيه بعقله واختياره فيأتي بالعجائب ، بعد هذه المقدمة القصيرة نتناول آيات العبد الصالح .
كان موسى يسير مع فتاه على سيف البحر ، يبدو أنه سيف البحر الأحمر من جهة الشرق ، وجد العبد الصالح أنه وفتاه يسيران حتى بلغ مجمع البحرين ، وإليك الآية الأولى قبل اللقاء بالعبد الصالح .
{ وإذا قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضى حقبا 60} .
موسى عليه السلام هو موسى بن عمران المذكور في القرآن ، لأنه لم يذكر علم اسمه موسى سوى هذا الرسول الكريم ، ومن يقول إنه موسى غيره ، فهي دعوى بلا دليل ولا مصدر لها إلا ممن يشكك في القرآن بخلق أشياء لا أصل لها حول عباراته ، إبعادا لمعانيه عن المراد منها ، وقوله{ لا أبرح} ، أي لا أترك السير{ حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا} ، وهذا يفيد أن المقصد الأول له أن يبلغ مجمع البحرين أو يسير حقبا ، أي زمنا طويلا ، أي ما شاء الله تعالى أن يسير ، ويظهر أن ذلك كان من موسى عليه السلام لتعرف الأراضي والناس في مرتحله ، أو ليرتاد لبني إسرائيل مقاما ، وقد سبقهم للارتياد ليكفيهم مئونته أولا ، ولينقلهم إليه بعد الاهتداء إليه وتعرفه