وقوله- سبحانه-:فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا حكاية منه- تعالى- لبقية كلام عيسى لأمه.
ولفظ فَإِمَّا مركب من إن الشرطية، وما المزيدة لتوكيد الشرط وتَرَيِنَّ فعل الشرط، وجوابه فَقُولِي وبين هذا الجواب وشرطه كلام محذوف يرشد إليه السياق.
والمعنى:أن عيسى- عليه السلام- قال لأمه:لا تحزني يا أماه بسبب وجودى بدون أب، وقرى عينا، وطيبي نفسا لذلك، فإما ترين من البشر أحدا كائنا من كان فسألك عن أمرى وشأنى فقولي له إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً أى:صمتا عن الكلام فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا لا في شأن هذا المولود ولا في شأن غيره، وإنما سأترك الكلام لابني ليشرح لكم حقيقة أمره.
قالوا:إنما منعت من الكلام لأمرين:أحدهما:أن يكون عيسى هو المتكلم عنها ليكون أقوى لحجتها في إزالة التهمة عنها، وفي هذا دلالة على تفويض الكلام إلى الأفضل.
والثاني:«كراهة مجادلة السفهاء، وفيه أن السكوت عن السفيه واجب، ومن أذل الناس سفيه لم يجد مسافها».
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد حكت لنا بأسلوبها البليغ الحكيم ما فعلته مريم عند ما شعرت بالحمل وما قالته عند ما أحست بقرب الولادة، وما قاله لها مولودها عيسى من كلام جميل طيب، لإدخال الطمأنينة على قلبها.
ثم انتقلت السورة الكريمة إلى الحديث عن مشهد آخر من مشاهد تلك القصة العجيبة مشهد مريم عند ما جاءت بوليدها إلى قومها، وما قالوه لها، وما قاله وليدها لهم ...
استمع إلى القرآن الكريم وهو يحكى ذلك فيقول: