وإذا كان الطعام والشراب قد توافر فقد كان حقا عليها أن تأكل وتشرب ، ولذا قال تعالى:
{ فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا 26} .
( الفاء ) للإفصاح ، لأنها تفصح عن شرط مقدر ، أي إذا كانت البراءة متوافرة ، وقد تهيأ الطعام والشراب وكان معك غلام سوي سيكون الأمثل بين الرجال ،{ فكلي واشربي وقري عينا} ، فكلي من الرطب الجني ، واشربي من الجدول السري ،{ وقري عينا} بما وهبك الله تعالى من غلام زكي ، وقرار العين سكونها ، وإن الإنسان في اضطرابه وخوفه تدور عينه ولا تستقر ، فكنّي بقرار العين عن السكون والاطمئنان ، فقرار العين يعلن عن قرار النفس ، والأمر بقرار العين وإن لم تكن تحت سلطان الإرادة أمر باطمئنان النفس وإبعاد الهواجس المخيفة ، وألا تتوقع سوءا ؛ لأن الله معها وقامت الخوارق الدالة على أنه سبحانه وتعالى معها ومن كان الله معه فإنه يجب أن يكون مطمئنا قرير العين والنفس .
ولقد صرح الملك بما يجب عليها لاتقاء فضول الناس قال الملك:{ فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا} ( إن ) حرف شرط ، و( ما ) تأكيد لفعل الشرط ، بدليل التوكيد بالنون الثقيلة ، كتوكيد القسم ، وهو توكيد لأنها سترى من البشر كثير ولا ترى منهم ومن فضولهم ما لا يسرها ، وأومأ إليها بأن تنذر لله تعالى صوما عن الكلام{ إني نذرت للرحمن صوما} وكأنه أشار إليها أن تنذر الصوم عن القول تقربا إلى الله تعالى ، فالسكوت من لغو القول قربة يتقرب بها إلى الله تعالى ، وعبر عن الله تعالى بوصفه الكريم ( الرحمن ) ، للإشارة إلى أن ذلك الصوم من رحمة الله تعالى بها وتقريبه إليها . وهي إذ تقول ذلك لقومها تؤكد بعدها عن لغوهم ، وعن سفه سفهائهم ، ولذا أكدت النفي بقولها:{ فلن أكلم اليوم إنسيا} ، أي لن أكلم إنسانا قط طيبا أو فاجرا ، برا أو بغيا ، ولذا قالت:{ إنسيا} ، أي منسوبا للإنس ، والعلاقة بينه وبين الإنسان أنه إنسي مجرد من غير نظر إلى حاله في تقواه أو فجوره .