وسؤالهم بهذه الطريقة يوحي بسوء أدبهم مع الله - تعالى - ومع نبيهم موسى - عليه السلام - لأنهم قالوا ( ادع لَنَا رَبَّكَ ) فكأنما هو رب موسى وحده ، لا ربهم كذلك ، وكأن المسألة لا تعنيهم هم إنما تعني موسى وربه ومع هذا فقد أجابهم إجابة المربي الحكيم للأتباع السفهاء الذين ابتلى بهم فقال:( قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذلك فافعلوا مَا تُؤْمَرونَ ) .
أي:قال لهم موسى بعد أن أخبره الله بصفتها:إنه - تعالى - يقول:إن البقرة التي آمركم بذبحها لا مسنة ولا صغيرة ، بل نصف بينهما ، فاتركوا الإِلحاح في الأسئلة ، وسارعوا إلى امتثال ما أمرتم به .
وقد أكد - سبحانه - جملة ( قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ ) تنزيلا لهم منزلة المنكرين لتعنتهم في السؤال ومحاولتهم التنصل مما أمروا به .
ولم يقل القرآن الكريم من أول الأمر:إنها بقرة عوان بل جاء بالوصفين السابقين ( لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ ) للتعريض بغباوتهم ، والتلميح بعدم فهمهم للأساليب الموجزة ، لذا لجأ في جوابهم إلى تنكير التوصيف حتى لا يعودوا إلى تكرار الأسئلة .
وقوله تعالى:( فافعلوا مَا تُؤْمَرونَ ) يقصد به قطع العذر مع الحض على الطاعة والامتثال .
وما موصولة ، والعائد محذوف بعد حذف جاره ، على طريقة التوسع ، أي:إذا كان الأمر كذلك ، فبادروا إلى تنفيذ ما تؤمرون به ، لتصلوا إلى معرفة القاتل الحقيقي بأيسر طريق ، ولا تضيقوا على أنفسكم ما وسعه الله لكم ، ولا تكثروا من المراجعة ، فإنها ليست في مصلحتكم .