وقوله: (قوله ادع لنا ربك يبين لنا ما هي (وهنا يبدأ التعنت والسماحة والتبلد في الحس ،إذ يطلبون من موسى أن يدعو ربه ليبين لهم ماهية البقرة ،وقوله: (ما هي (جملة اسمية تتألف من مبتدأ وخبر ،وما أهون الأمر لو أنهم بادروا بالذبح من غير تردد أو مساءلة لقد كان الأمر في غاية اليسر الذي لا يستحق مثل هذا التمحل المغالي الذي ينم على طبع غريب .
(قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك ((فارض (خبر مبتدأ محذوف تقديره هي وقيل صفة للخبر (بقرة (والفارض الهرمة التي ولدت بطونا كثيرة(ولا بكر (الواو للعطف ،والبكر: الصغيرة التي لم يقع عليها فحل ،فلا هي كبيرة هرمة ولا هي صغيرة لم تلد بعد ولكنها (عوان بين ذلك (العوان: النصف من النساء والبهائم وجمعها عون بضم العين ،فهي بذلك وسط بين الكبر والصغر ،والإشارة (ذلك (تعود على فارض وبكر ،وبعد هذا الكشف عن ماهية البقرة يكرر الله دعاءه لبني إسرائيل أن يبادروا بالذبح فيفعلوا ما أمرهم الله به ( فافعلوا ما تؤمرون (.
وثمة قول بأن هذه الآيةفيها دليل النسخ وأن النسخ نفسه واقع هنا ،وصورته أن الله قد أمرهم أولا أن يذبحوا بقرة من البقر من غير تحديد بصفة معينة ،فلما وصفها بعد ذلك كان نسخا يؤثر في الحكم وهو الطلب دون تقييد ،ولا نرى مثل هذا الرأي فإنه لا يلزم مما سبق أن يعتبر ذلك نسخا .ولكن ذلك مجرد توضيح يكشف عن معاني أخرى جديدة ترد على نحو من الوصف أو التبيين ،فلئن كان النص في الآية الأولى مطلقا بغير تقييد فهو في الأخرى مقيد بالوصف ولا يلزم من ذلك النسخ بل التقييد .