وإن ذلك الجواب القاطع كان جديرا بأن يمنعه من اللجاجة والمراوغة في الاستجابة لأمر الله تعالى ، ولكن لأن نفوسهم متأثرة بأوهام المصريين ، استمروا في لجاجتهم ومراوغتهم عساهم يجدون مناصا للخروج من هذا الأمر الجازم قالوا:{ ادع لنا ربك يبين لنا ما هي} يقولون لنبي الله موسى:ادع ربك واضرع إلى الذي رباك وكونك أن يبين لنا ما هي ، وصيغة السؤال هكذا استفهام عن ماهية البقرة وحقيقتها وكأنهم لم يروها ولم يعرفوها ، ولم يكونوا مع الذين كانوا يعبدونها ، ولكن نبي الله الحكيم ، أجابهم بالأسلوب الحكيم ، وهو ما ينبغي أن يكون السؤال عنه فقال عليه السلام بهداية من الله تعالى:{ إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر} والفارض هي التي فرضت سنها أي أنها حطت سنها ، وبلغت نهايته أي كانت طاعنة في السن ، ولا بكر:ليست صغيرة ، أي أنها بقرة وسط ليست صغيرة ولا كبيرة ؛ ولذا فالعوان بين ذلك أي وسط بين الصغر والكبر المفرط ، ويظهر أن تلك كانت أوصاف عجل أهل مصر ، وقد قال موسى بأمر ربه{ فافعلوا ما تؤمرون ( 68 )} بلا لجاجة ولا مراوغة ، ولا محاولة الإفلات من أمر الله تعالى .
وكان حقا عليهم أن يطيعوا بعد ذلك فقد بين لهم كل شيء ، والفاء للإفصاح ولكن لجاجتهم لم تنته عند ذلك ، وهم يريدون أن يراوغوا وأن يثيروا الجدل عساهم يفلتون من إجابة الأمر .