ثم بين- سبحانه- بعد ذلك ما رد به هؤلاء المشركون الجاحدون على نبيهم فقال:
وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ، وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا، ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ...
أى:وقال الأغنياء والزعماء من قوم هذا النبي، الذين كفروا بالحق لما جاءهم، وكذبوا بالبعث والجزاء الذي يكون في الآخرة، والذين أبطرتهم النعمة التي أنعمنا عليهم بها في دنياهم ...
قالوا لنبيهم بجفاء وسوء أدب لكي يصرفوا غيرهم عن الإيمان به:ما هذا الذي يدعى النبوة إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وكأنهم يرون- لغبائهم وانطماس عقولهم- أن الرسول لا يكون من البشر، أو يرون جواز كونه من البشر، إلا أنهم قالوا ذلك على سبيل المكر ليصدوا أتباعهم وعامة الناس عن دعوته.
ثم أضافوا إلى هذا القول الباطل ما يؤكده في نفوس الناس فقالوا:يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ من طعام، وغذاء، وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ من ماء وما يشبه الماء.
ثم أضافوا إلى ذلك قولهم وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ أيها الناس بَشَراً مِثْلَكُمْ في المأكل والمشرب والملبس والعادات.. أَنَّكُمْ إِذا بسبب هذه الطاعة لَخاسِرُونَ خسارة ليس بعدها خسارة.
والمتأمل في هذه الآية الكريمة يرى أن الله- تعالى- وصف هؤلاء الجاحدين بالغنى والجاه، وأنهم من قوم هذا النبي فازداد حسدهم له وحقدهم عليه، وأنهم أصلاء في الكفر، وفي التكذيب باليوم الآخر، وأنهم- فوق كل ذلك- من المترفين الذين عاشوا حياتهم في اللهو واللعب والتقلب في ألوان الملذات.. ولا شيء يفسد الفطرة، ويطمس القلوب، ويعمى النفوس والمشاعر عن سماع كلمة الحق. كالترف والتمرغ في شهوات الحياة.
لذا تراهم في شبهتهم الأولى يحاولون أن يصرفوا الناس عن هذا النبي، بزعمهم أنه بشر، يأكل مما يأكل منه الناس، ويشرب مما يشربون منه، والعقلاء في زعمهم- لا يتبعون نبيّا من البشر، لأن اتباعه يؤدى إلى الخسران المبين.
ولقد نهجوا في قولهم الباطل هذا، نهج قوم نوح من قبلهم، فقد قالوا في شأنه:ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ ...